كارمن بيراميندي
"يشكّل ضعف مشاركة المرأة في السياسة عجزًا ديمقراطيًا أساسيًا. فكلّ الهيكليات التي تعزز فعالية الديمقراطية هي أيضًا هيكليات قد تساهم في تعزيز مشاركة المرأة في السياسة لكن هذه العملية ليست تلقائية. إنها عبرة استخلصتها من تجربتي الشخصية على الأقل. فكلّما كانت الهيكلية ديمقراطيةً،كلّما ازداد عدد النساء المنتخبات فيها."
المتن:
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: بدايةً، أود أن أسألك عن مسيرتك في السياسة. متى دخلت هذا المعترك وما الذي شجعك على الانخراط في هذا المجال؟ ما الفرص أو العقبات التي صادفتها كامرأة؟
كارمن بيراميندي: بدأت أنشط في السياسة في سنٍ مبكرة جدًا وكنت لا أزال طالبةً. نتيجةً لذلك، أمضيت 7 سنوات وراء القضبان في ظلّ النظام الدكتاتوري في أوروغواي. شاركتُ لاحقًا في حركة الاتحاد العمالي. لم أكن أمينة سرّ الاتحاد فحسب لكن ترأست أيضًا منظمة العاملين في مجال الصيد البحري. كنت أيضًا أنتمي إلى حزب سياسي وانتخبني ائتلاف الجبهة العريضة (Frente Amplio) نائبًا من 1990 إلى 1995. كنت المرأة الوحيدة بين 20 نائبًا تعيّنهم الحكومة في حينها. ولم يكن البرلمان يضم سوى 6 نساء على الرغم من حضور النساء بشكلٍ عام في الأحزاب السياسية الأخرى.
لقد صادفت الحواجز منذ أن دخلتُ الحزب السياسي. في حينها، لم أنسبها إلى التمييز بين الجنسين لأنني لم أكن قد تبنّيت وجهة النظر تلك بعد. أذكر عندما انضممت إلى حركة سياسية سرية جدًا، قال أحد الرجال أنه لن يتكلم على المسائل السرية أمام النساء لأنهن يعجزن عن حفظ الأسرار. عندما كان الرجال يجرون النقاشات السرية، كان يرفض السماح لأي امرأة بالمشاركة. كنت قد تفوّقت عليه إلى حدٍ بعيد من حيث عدد الأصوات لأشكّل جزءًا من لجنة التعبئة تلك إلا أنه احتفظ لنفسه بحقّ النقض ضد وجودي. لم أكن أبلغ سوى السابعة عشر من العمر، فكنت في حيرة من أمري ولم أكن أفهم بتاتًا ما الذي يحصل. عندها أدركت صعوبة المشاركة في السياسة حتى بعد الحصول على أصوات. وأشدد على فكرة الأصوات لأنني أعتقد أن الانتخابات تساهم في إضفاء الشرعية في السياسة.
في الاتحاد العمالي، لو جرت الانتخابات على أساس الفردية، لكانت الأصوات قد انهالت كالمطر. لكن لو جرت الانتخابات على أساس القوائم الانتخابية التي تتشكل ضمن الدوائر السياسية الصغيرة، لكنتُ قد نفيت إلى المرتبة الثانية. عندما جرت الانتخابات على أساس الفردية، حصلت النساء على عددٍ أكبر من الأصوات. هذا ما حصل معي في اتحاد الصيد البحري حيث فزتُ في الانتخابات وتفوّقت بآلاف الأصوات على الشخص الذي حلّ في المرتبة الثانية. فأصبحت رئيسة اتحاد الصيد البحري لسنوات عدّة بعد أن حصلت على أغلبية الأصوات من العمّال أنفسهم.
يومًا بعد يوم، بدأت أفهم أن الرجال والنساء يرتبطون بهيكليات السلطة بطرق مختلفة، وأن ممارسة الرجال السلطة تعتبر أكثر شرعيةً. عندما يحين وقت تقييم سلوك الرجل في السياسة، قليلةٌ هي الأمور التي توضع على الطاولة، لكن عندما يحين وقت تقييم سلوك المرأة في السياسة، تكثر العوامل التي تؤخذ في عين الاعتبار.
على مرّ الوقت، وضع الرجال طرق عدّة لضمان بقائهم في السياسة. فهم يعرفون كيف ينسجون التحالفات فيما يصعب علينا كنساء أن ننسج التحالفات في ما بيننا. لربما يعزى ذلك إلى كوننا نساء، فنميل إلى "وجدنة" علاقاتنا وروابطنا أي جعلها شخصية. بإمكان الرجال تشكيل التحالفات على الرغم من أنهم يتجادلون ويتقاتلون ويتواجهون، ولا يقومون بوجدنة علاقاتهم كالنساء. إن غضبنا، من الصعب جدًا علينا أن نشكل تحالفًا مع الأشخاص الذين سببوا لنا الغضب. إن بنية الرجال الاجتماعية تخوّلهم الفصل ما بين مشاعرهم وقراراتهم، ما يعطيهم الأفضلية في المجال السياسي حيث تحتدم المنافسة، وهذا غير شائع بين النساء.
لقد انتخبت نائبًا في البرلمان إذ نشطتُ سياسيًا في الجامعة وفي الاتحاد. فالحزب السياسي الذي كنت أنتمي إليه أعطى الأفضلية الكبرى إلى العمال. حصلتُ على مصداقية كبرى إذ كنت قائدةً في اتحاد عمالي، وأضف إلى ذلك تعليمي الجامعي، تمكّنت من الحصول على ميزة تفضيلية لبلوغ مناصب صنع القرار. حتى أن فترة سجني اتضحت أنها مفيدة جدًا لليسار هنا في أوروغواي.
تتطور القيادة على مراحل طويلة من الزمن في حياة كلّ البشر وليس النساء فحسب. أعتبر أننا كنساء نواجه مشاكل في هذا المجال إذ يصعب علينا أن نطوّر القيادة ونساعد على تطوير قيادة النساء الأخريات.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: إلى أي مدى تغيّر وصول المرأة إلى الحياة العامة في أوروغواي؟ ما الدور الذي أدّته النساء والمنظمات النسائية في العملية هذه؟
كارمن بيراميندي: في بداية ولاية الرئيس تاباريه فاسكيز (التي امتدت من آذار/مارس 2005 إلى آذار/مارس 2010)، ضمّت حكومة الوزراء الثلاثة عشر 4 نساء. كان واقعًا لا سابق له في البلد، وبخاصة بعد أن عيّن الرئيس نساء في مناصب وزارية لم تمنح لنا عادةً مثل وزارة الصحة العامة أو وزارة التنمية. حتى أنه عيّن امرأة في منصب وزيرة الدفاع وبعدها امرأة أخرى كوزيرة داخلية.
تركت هذه التعيينات أثرًا مزدوجًا. ففي المقام الأول، عززنا حضورنا في المجال العام، وثانيًا، ساهمت هذه التعيينات في هذه المناصب بالتحديد في برهنة قدرة النساء على احتلال هذه المناصب وأداء مهامهنّ بفعالية. إلا أن ذلك لم ينعكس في البرلمان حيث لا تحتل النساء سوى أكثر من 10 في المئة من المقاعد بقليل.
بهدف معالجة الوضع القائم، روّجنا ما يعرف بـ "ثالوث تمكين المرأة"، وهو يتمحور حول توحيد النساء في الهيئات العامة (في حالتي، الهيئة التي ترعى سياسات الجنسانية) والنساء في الأحزاب السياسية والنساء في الحركات الاجتماعية. عقد هذا الثالوث، وهو مبادرة من المجتمع المدني، اجتماعات عدّة على غرار اجتماع النساء في أوروغواي. كما نظّم جمعيات عدّة حيث اجتمعت النساء من مختلف الخلفيات بهدف النظر في أجندة مشتركة والتعهّد بتطبيقها، ومنها تعزيز مشاركة المرأة في السياسة. في إطار جهودنا الدؤوبة للفصل ما بين هذه المبادرة والمنطق الحزبي، أنشأنا شبكةً للنساء الناشطات في السياسة في أوروغواي والتجمّع النسائي لمجلس النواب ومجلس الشيوخ الذي يجمع النساء من كل الأحزاب السياسية.
نعاني عجزًا هامًا من وجهة نظر ديمقراطية يُعزى إلى ضعف تمثيل المرأة على الساحة السياسية في بلدنا، وبشكل خاص على المستوى "الأسهل والبسيط" من السياسة وهو الأحزاب السياسية. ولعلّ ما شهدناه في النقاش الذي دار حول قانون الكوتا النسائية (سنة 2009) خير دليل على تخلّف أروغواي في هذا المجال. لكنه بالفعل تناقض بارز إذ في أوروغواي يبلغ عدد النساء اللواتي يتخرجن من الجامعات ضعف عدد الرجال، وكانت أوروغواي من بين البلدان الأوائل التي اعتمدت الانتخاب العام، وقانون الطلاق الذي يسمح بالطلاق بناءً على مبادرة المرأة، ومجموعة من المسائل الأخرى حول المساواة بين الجنسين. إلا أننا ما زلنا متأخرين عن ركب التطور في مجال المشاركة السياسية. في بلدنا، ما من علاقة مباشرة بين النهوض بحقوق المرأة والمشاركة السياسية. وُضعت سياسات عامة أعتبرها أساسية حول المساواة بين الجنسين كالقانون حول المساواة في الفرص والحقوق والخطة من أجل المساواة وهي قيد الإعداد. تتضمن الخطة من أجل المساواة سياسة تعميم مراعاة المساواة في القطاعات الحكومية كافةً – وبالتحديد في الهيئات الخمس – والسياسات في الشركات العامة والتقدمات في الميزانية الوطنية. إلا أن المساواة ما زالت صعبة جدًا في المعترك السياسي إذ ما من رابط بين التقدم السياسي المحرز في مجال المساواة في الفرص والحقوق والمشاركة السياسية الفعلية.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: لمَ هذه الثغرة؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أن هذه الثغرة تنشأ لأن الأحزاب السياسية ما زالت السلطة الأكثر ثباتًا وصلابةً في بلدنا وتلك السلطة أبوية بشكلٍ أساسي. يتجلّى ذلك عند تشكيل القوائم الانتخابية الذي يتم بناءً على معيار ذكوري. لم تظهر مسألة المساواة في المشاركة في القوائم الانتخابية سوى في الحملة الانتخابية الأخيرة. في الانتخابات الداخلية للجبهة العريضة، اقترح ذلك أحد المرشحين وهو المرشّح الذي ترشحت معه. حتى أنه أعلن أنه في حال انتخابه، سوف يعيّن حكومة يتساوى فيها عدد النساء والرجال. كانت المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك وأعتقد أنه نتج من الكفاح الشرس الذي قادته الحركات النسائية السياسية والاجتماعية على مر السنين.
لكن الغريب أن قانون الكوتا ينصّ على أن الكوتا إلزامية للإنتخابات الداخلية – بدءًا من الانتخابات التالية – لكن ذلك لا ينطبق على الانتخابات العامة. قُدّمت حجج واهية لتبرير ذلك، وبشكل خاص التأكيد على أنه ما من نساء مؤهلات، كما ولو كان الرجال مؤهلين بالفطرة وليس بالممارسة. فالمرء يتعلم من خلال ممارسة التمثيل والسلطة. من جهةٍ أخرى، من الواضح أن الأشخاص الأكثر كفاءة هم اليوم خارج البرلمان، وتقودهم مجموعة من الظروف إلى دخول هذا المجال. إنها مسألة علينا أن نعالجها بإلحاح.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: كيف تنظرين إلى عملية توليد القيادات الجديدة وتطويرها؟ وما دور الأحزاب السياسية في هذه العملية؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أنه ما من عملية لتوليد القيادات الجديدة بل مجرد بعض الترشيحات الابتكارية. في أوروغواي، نحن النساء اللواتي أحدثنا السوابق قد تخطينا اليوم الخمسين من العمر، واليوم باتت القيادات المعروفة من النساء الراشدات. قلّة قليلة من النساء الشابات يشاركن في المناصب السياسية. يقال الكثير عن توليد القيادات الجديدة لأن هذه الأقوال تلقى قبولاً واسعًا وهي صحيحة من الناحية السياسية، لكن عندما يحين وقت تحديد المرشحين القادرين على تولي منصب الرئاسة، يكون معدّل العمر بين 60 و70 عامًا. أعتقد أن الأحزاب السياسية قد جمّدت حتى إمكانية نشوء قيادات جديدة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: أنت مديرة المعهد الذي يدير سياسات الجنسانية في البلاد. ما الاستراتيجيات المعتمدة لتعزيز المساواة في النفاذ إلى التمثيل السياسي للنساء؟ ما الأهداف المرجو بلوغها؟
كارمن بيراميندي: تهدف خطتنا من أجل المساواة في الفرص والحقوق بوضوح إلى تحقيق المساواة. لقد نظمنا بعض الاجتماعات ومنتديات التفكير وحلقات النقاش حول الموضوع هذا. كما قدمنا دعمنا إلى مبادرات المجتمع المدني التي ترمي إلى تحقيق الغاية نفسها. عندما دار النقاش بشأن قانون الأحزاب السياسية، طلبنا من الأحزاب ابداء آرائها حول هذا القانون، لكننا لم نحقق نجاحًا باهرًا. يحظى المعهد بالاعتراف في حال السياسات التي تطبقها السلطة التنفيذية، لكن القبول محدود عندما تطبق السلطات الحكومية الأخرى هذه السياسات. لذلك، في عام 2008، ناصرنا جمعيات نسائية إقليمية جذبت في نهاية المطاف أكثر من 4000 امرأة بهدف اعتماد الخطة. حوّلنا عام 2009 الانتخابي إلى موضوع أساسي في الجمعيات، فشجعنا النساء على متابعة العملية الانتخابية عن كثب من تشكيل القوائم إلى الانخراط في الانتخابات. لم نسعَ إلى تحفيز النساء للتصويت للمزيد من النساء فحسب، بل للتصويت للنساء اللواتي التزمن بالعمل من أجل الارتقاء بحقوق المرأة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: لقد مثلتِ أوروغواي في الاجتماع المتخصص المعني بالمرأة (REM). من فضلك اشرحي لنا ما هو الاجتماع المتخصص هذا وما الأثر الذي تركه على المنطقة؟
كارمن بيراميندي: إن الاجتماع المتخصص المعني بالمرأة هو حيز مخصص للمرأة ضمن السوق المشتركة لأميركا الجنوبية (MERCOSUR) يهدف إلى التأثير على السياسات ضمن المؤسسة. على سبيل المثال، عند تأسيس برلمان خاص بالسوق المشتركة لأميركا الجنوبية، قدّمنا توصية تنادي بمنح النساء والرجال عدد متساوٍ من المقاعد في البرلمانات المقبلة. وفي القمة الرئاسية، قدمنا قرارًا اتفقت عليه النساء الوزيرات في المنطقة كافةً، وتم اعتماد القرار بعدها في شيلي في عهد الرئيسة ميشال باشليه. ولعلّ الإنجاز الأبرز كان القرار الذي اعتمده المؤتمر العاشر للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (ECLAC) وهو "توافق كيتو" (2007) الذي كان الأداة الأولى التي تقترح المساواة بين الرجل والمرأة في مجال صنع القرار وإعادة توزيع المهام ضمن تقسيم العمل والاعتراف بعمل المرأة غير مدفوع الأجر. كان إنجازًا لافتًا ربط ما بين أجندتين اثنتين، أي أجندة العمل غير مدفوع الأجر أو تقسيم العمل المنزلي وفق النوع الاجتماعي، وأجندة المشاركة في هيكليات السلطة. فالأجندتان مرتبطتان بتوزيع السلطة في المجالين العام والخاص. كانت خطوة حكيمة قام بها قسم شؤون الجنسانية بأن يربط ما بين هذين الموضوعين. في السوق المشتركة لأميركا الجنوبية، عملنا من أجل تعميم هذه المقاربة واليوم حظينا بمشروع إقليمي لتحقيق هذا الغرض. سوف نتمكّن من تعزيز عملنا المشترك كمنطقةٍ واحدة، فنوحّد مختلف الحركات لنعزز مشاركة المرأة في السياسة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: لا شك أن تغيير الأنظمة لا يشكّل سوى جزء واحد من العوامل الضرورية لتحقيق المساواة. ما التغييرات الهيكلية التي تقترحينها لتقليص هوة عدم المساواة؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أنه على أوروغواي إجراء نقاش دستوري أكثر حدّة وإطلاق إصلاح دستوري معمّق. إنها الطريقة الوحيدة لتحظى المرأة بالاعتراف الفعلي بحقوقها وتصبح الحقوق نافذةً.
يشكّل ضعف مشاركة المرأة في السياسة عجزًا ديمقراطيًا أساسيًا. فكلّ الهيكليات التي تعزز فعالية الديمقراطية هي أيضًا هيكليات قد تساهم في تعزيز مشاركة المرأة في السياسة لكن هذه العملية ليست تلقائية. إنها عبرة استخلصتها من تجربتي الشخصية على الأقل. فكلّما كانت الهيكلية ديمقراطيةً،كلّما ازداد عدد النساء المنتخبات فيها. قد يقول البعض إن النظام الحالي يسمح للنساء بالترشح، إلا أن ذلك غير صحيح لأن الترشيحات "تُطبخ" في مطابخ عددٍ محدود من الأشخاص معظمهم من الرجال. أضف إلى ذلك المتطلبات الاقتصادية للمحافظة على الترشيح، وإذا ما كان القادة الحزبيون يتحكّمون بالموارد، يكون قرار الترشيح بين يديهم. لذلك يبدو إصلاح الأحزاب السياسية أساسيًا ويجب أن يتضمن منهجيات لضمان المساواة بين الجنسين. كما يجب أن ينص القانون على المساواة في المشاركة بين الرجال والنساء.
أعتقد أننا كنا نشعر بالخجل في أوروغواي. لقد انتقدتُ كثيرًا قانون الكوتا، لكنني أدافع عنه اليوم لأنهم يريدون وضعه على الرفّ، لكن في الواقع أعتقد أنه يجب التشديد على المساواة الكاملة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: بالعودة إلى ما ذكرته بشأن التحالفات والشبكات، ما كان دورها في مسيرتك السياسية؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أنها كانت أساسية. يملك الرجال السلطة لأنهم يعلمون كيف يبنون الجسور والتحالفات على الرغم من الاختلافات بينهم. يعتمد عددٌ كبير من الأفكار التي تكلّمنا عليها في هذه المقابلة على وضع استراتيجيات التحالف بين النساء. لقد طوّرت مارسيلا لاغارد هذه الفكرة من خلال مفهوم النادي النسائي. علينا أن نتعلّم الكثير في هذا المجال. ما إن يلمع اسم امرأة ما، يهرع الرجال والنساء على حدٍ سواء لتحجيمها. لكن عندما يلمع اسم 20 رجلاً، لا نرى أحدًا ينتقص منهم بهذه السهولة. علينا كنساء أن نتعلم الكثير في هذا المجال.
عندما كنت في الاتحاد العمالي، كنت المرأة الوحيدة من بين 20 قائدًا في البداية. بعد 8 سنوات، صار الاتحاد يضم في قيادته 10 نساء و10 رجال. لقد روّجت سياسةً ملموسة، فكنتُ رئيسة الاتحاد ودفعت قدمًا باللجنة الخاصة بالجنسانية التي كانت قائمة. لكن بعد مغادرتي الاتحاد بثلاث أو أربع سنوات، عاد تمثيل المرأة ليكون محدودًا. انتهى بي الأمر كمديرة المعهد الوطني للمرأة (INMUJERES) ليس نتيجة قرار الرئيس فحسب، بل أيضًا بناءً على إجماع النساء من كل أحزاب تحالف الجبهة العريضة. بدأت ولايتي بحضور واسع للنساء من كل أحزاب الجبهة العريضة ودعمهنّ ما قدم لي نفوذًا واسعًا للتصرف.
أعتقد أننا كنساء يصعب علينا أن نحدّد النزاعات بوضوح. أعتمد المواجهة المباشرة عندما أعلن عن الاختلافات فلا تكون النتيجة إيجابية تمامًا. لكن على المدى الطويل، تولّد هذه المقاربة شرعية أكبر وأشعر أيضًا أنها تمنحني السلام الداخلي. إني على قناعة بأن عددًا كبيرًا من النساء في أوروغواي يجب أن يحتل المركز الأول في القوائم الانتخابية. لكن عندما يطرح هذا الموضوع، غالبًا ما نفشل في إرساء التضامن، فيؤدي إلى انسحاب عددٍ كبير. حتى ولو لم يحصل الرجل على التضامن المطلوب وهو يسعى إلى الحصول على المنصب، لا يأبه برأي الآخرين. لكن بنية المرأة في المجتمع تعتمد على رأي الآخرين بها. في السياسة، ينقلب هذا ضدنا. إلا أنني لا أشعر بذلك اليوم لربّما لأنني أصبحت متمرسة إلى حدٍ ما. عندما كنت نائبًا في البرلمان، كنت أمًا لطفل لم يبلغ الثانية من العمر، وعندها كان حدثًا أساسيًا أن تكون امرأة نائبًا في البرلمان وأمًا لطفل صغير. تتكبد المرأة التي تدخل السياسة كلفةً باهظة. فقلّة قليلة من الرجال تؤدي دورًا مساويًا لدور المرأة في الحياة اليومية، ويصعب على هؤلاء الرجال العيش إلى جانب نساء طموحات.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: في النهاية، ما الاقتراحات التي تقدمينها إلى المرأة التي تود المشاركة في السياسة لكن تواجه مصاعب هائلة، ليس في أوروغواي فحسب بل في المنطقة ككل؟
كارمن بيراميندي: علينا أن نتخذ قرارًا صارمًا بتعزيز نفوذنا كمجموعة. أعتقد أنه من المهم جدًا أن ننسج الشبكات إذا ما أردنا فعلاً أن نتقدّم في مجال صنع القرارات وبناء التحالفات في ما بيننا. بهذه الطريقة، عندما تدخل النساء في جدالات في المناصب العامة، بإمكاننا أن نقدم لهن الدعم ونشجعهن. إنها مسألة تغيير طريقة ممارسة السياسة. لا أحبذ دخولنا السياسة لتبقى سياسة عمودية واستبدادية وأبوية. يكمن التحدي اليوم في تحويل السياسة و"أنسنتها".
"يشكّل ضعف مشاركة المرأة في السياسة عجزًا ديمقراطيًا أساسيًا. فكلّ الهيكليات التي تعزز فعالية الديمقراطية هي أيضًا هيكليات قد تساهم في تعزيز مشاركة المرأة في السياسة لكن هذه العملية ليست تلقائية. إنها عبرة استخلصتها من تجربتي الشخصية على الأقل. فكلّما كانت الهيكلية ديمقراطيةً،كلّما ازداد عدد النساء المنتخبات فيها."
المتن:
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: بدايةً، أود أن أسألك عن مسيرتك في السياسة. متى دخلت هذا المعترك وما الذي شجعك على الانخراط في هذا المجال؟ ما الفرص أو العقبات التي صادفتها كامرأة؟
كارمن بيراميندي: بدأت أنشط في السياسة في سنٍ مبكرة جدًا وكنت لا أزال طالبةً. نتيجةً لذلك، أمضيت 7 سنوات وراء القضبان في ظلّ النظام الدكتاتوري في أوروغواي. شاركتُ لاحقًا في حركة الاتحاد العمالي. لم أكن أمينة سرّ الاتحاد فحسب لكن ترأست أيضًا منظمة العاملين في مجال الصيد البحري. كنت أيضًا أنتمي إلى حزب سياسي وانتخبني ائتلاف الجبهة العريضة (Frente Amplio) نائبًا من 1990 إلى 1995. كنت المرأة الوحيدة بين 20 نائبًا تعيّنهم الحكومة في حينها. ولم يكن البرلمان يضم سوى 6 نساء على الرغم من حضور النساء بشكلٍ عام في الأحزاب السياسية الأخرى.
لقد صادفت الحواجز منذ أن دخلتُ الحزب السياسي. في حينها، لم أنسبها إلى التمييز بين الجنسين لأنني لم أكن قد تبنّيت وجهة النظر تلك بعد. أذكر عندما انضممت إلى حركة سياسية سرية جدًا، قال أحد الرجال أنه لن يتكلم على المسائل السرية أمام النساء لأنهن يعجزن عن حفظ الأسرار. عندما كان الرجال يجرون النقاشات السرية، كان يرفض السماح لأي امرأة بالمشاركة. كنت قد تفوّقت عليه إلى حدٍ بعيد من حيث عدد الأصوات لأشكّل جزءًا من لجنة التعبئة تلك إلا أنه احتفظ لنفسه بحقّ النقض ضد وجودي. لم أكن أبلغ سوى السابعة عشر من العمر، فكنت في حيرة من أمري ولم أكن أفهم بتاتًا ما الذي يحصل. عندها أدركت صعوبة المشاركة في السياسة حتى بعد الحصول على أصوات. وأشدد على فكرة الأصوات لأنني أعتقد أن الانتخابات تساهم في إضفاء الشرعية في السياسة.
في الاتحاد العمالي، لو جرت الانتخابات على أساس الفردية، لكانت الأصوات قد انهالت كالمطر. لكن لو جرت الانتخابات على أساس القوائم الانتخابية التي تتشكل ضمن الدوائر السياسية الصغيرة، لكنتُ قد نفيت إلى المرتبة الثانية. عندما جرت الانتخابات على أساس الفردية، حصلت النساء على عددٍ أكبر من الأصوات. هذا ما حصل معي في اتحاد الصيد البحري حيث فزتُ في الانتخابات وتفوّقت بآلاف الأصوات على الشخص الذي حلّ في المرتبة الثانية. فأصبحت رئيسة اتحاد الصيد البحري لسنوات عدّة بعد أن حصلت على أغلبية الأصوات من العمّال أنفسهم.
يومًا بعد يوم، بدأت أفهم أن الرجال والنساء يرتبطون بهيكليات السلطة بطرق مختلفة، وأن ممارسة الرجال السلطة تعتبر أكثر شرعيةً. عندما يحين وقت تقييم سلوك الرجل في السياسة، قليلةٌ هي الأمور التي توضع على الطاولة، لكن عندما يحين وقت تقييم سلوك المرأة في السياسة، تكثر العوامل التي تؤخذ في عين الاعتبار.
على مرّ الوقت، وضع الرجال طرق عدّة لضمان بقائهم في السياسة. فهم يعرفون كيف ينسجون التحالفات فيما يصعب علينا كنساء أن ننسج التحالفات في ما بيننا. لربما يعزى ذلك إلى كوننا نساء، فنميل إلى "وجدنة" علاقاتنا وروابطنا أي جعلها شخصية. بإمكان الرجال تشكيل التحالفات على الرغم من أنهم يتجادلون ويتقاتلون ويتواجهون، ولا يقومون بوجدنة علاقاتهم كالنساء. إن غضبنا، من الصعب جدًا علينا أن نشكل تحالفًا مع الأشخاص الذين سببوا لنا الغضب. إن بنية الرجال الاجتماعية تخوّلهم الفصل ما بين مشاعرهم وقراراتهم، ما يعطيهم الأفضلية في المجال السياسي حيث تحتدم المنافسة، وهذا غير شائع بين النساء.
لقد انتخبت نائبًا في البرلمان إذ نشطتُ سياسيًا في الجامعة وفي الاتحاد. فالحزب السياسي الذي كنت أنتمي إليه أعطى الأفضلية الكبرى إلى العمال. حصلتُ على مصداقية كبرى إذ كنت قائدةً في اتحاد عمالي، وأضف إلى ذلك تعليمي الجامعي، تمكّنت من الحصول على ميزة تفضيلية لبلوغ مناصب صنع القرار. حتى أن فترة سجني اتضحت أنها مفيدة جدًا لليسار هنا في أوروغواي.
تتطور القيادة على مراحل طويلة من الزمن في حياة كلّ البشر وليس النساء فحسب. أعتبر أننا كنساء نواجه مشاكل في هذا المجال إذ يصعب علينا أن نطوّر القيادة ونساعد على تطوير قيادة النساء الأخريات.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: إلى أي مدى تغيّر وصول المرأة إلى الحياة العامة في أوروغواي؟ ما الدور الذي أدّته النساء والمنظمات النسائية في العملية هذه؟
كارمن بيراميندي: في بداية ولاية الرئيس تاباريه فاسكيز (التي امتدت من آذار/مارس 2005 إلى آذار/مارس 2010)، ضمّت حكومة الوزراء الثلاثة عشر 4 نساء. كان واقعًا لا سابق له في البلد، وبخاصة بعد أن عيّن الرئيس نساء في مناصب وزارية لم تمنح لنا عادةً مثل وزارة الصحة العامة أو وزارة التنمية. حتى أنه عيّن امرأة في منصب وزيرة الدفاع وبعدها امرأة أخرى كوزيرة داخلية.
تركت هذه التعيينات أثرًا مزدوجًا. ففي المقام الأول، عززنا حضورنا في المجال العام، وثانيًا، ساهمت هذه التعيينات في هذه المناصب بالتحديد في برهنة قدرة النساء على احتلال هذه المناصب وأداء مهامهنّ بفعالية. إلا أن ذلك لم ينعكس في البرلمان حيث لا تحتل النساء سوى أكثر من 10 في المئة من المقاعد بقليل.
بهدف معالجة الوضع القائم، روّجنا ما يعرف بـ "ثالوث تمكين المرأة"، وهو يتمحور حول توحيد النساء في الهيئات العامة (في حالتي، الهيئة التي ترعى سياسات الجنسانية) والنساء في الأحزاب السياسية والنساء في الحركات الاجتماعية. عقد هذا الثالوث، وهو مبادرة من المجتمع المدني، اجتماعات عدّة على غرار اجتماع النساء في أوروغواي. كما نظّم جمعيات عدّة حيث اجتمعت النساء من مختلف الخلفيات بهدف النظر في أجندة مشتركة والتعهّد بتطبيقها، ومنها تعزيز مشاركة المرأة في السياسة. في إطار جهودنا الدؤوبة للفصل ما بين هذه المبادرة والمنطق الحزبي، أنشأنا شبكةً للنساء الناشطات في السياسة في أوروغواي والتجمّع النسائي لمجلس النواب ومجلس الشيوخ الذي يجمع النساء من كل الأحزاب السياسية.
نعاني عجزًا هامًا من وجهة نظر ديمقراطية يُعزى إلى ضعف تمثيل المرأة على الساحة السياسية في بلدنا، وبشكل خاص على المستوى "الأسهل والبسيط" من السياسة وهو الأحزاب السياسية. ولعلّ ما شهدناه في النقاش الذي دار حول قانون الكوتا النسائية (سنة 2009) خير دليل على تخلّف أروغواي في هذا المجال. لكنه بالفعل تناقض بارز إذ في أوروغواي يبلغ عدد النساء اللواتي يتخرجن من الجامعات ضعف عدد الرجال، وكانت أوروغواي من بين البلدان الأوائل التي اعتمدت الانتخاب العام، وقانون الطلاق الذي يسمح بالطلاق بناءً على مبادرة المرأة، ومجموعة من المسائل الأخرى حول المساواة بين الجنسين. إلا أننا ما زلنا متأخرين عن ركب التطور في مجال المشاركة السياسية. في بلدنا، ما من علاقة مباشرة بين النهوض بحقوق المرأة والمشاركة السياسية. وُضعت سياسات عامة أعتبرها أساسية حول المساواة بين الجنسين كالقانون حول المساواة في الفرص والحقوق والخطة من أجل المساواة وهي قيد الإعداد. تتضمن الخطة من أجل المساواة سياسة تعميم مراعاة المساواة في القطاعات الحكومية كافةً – وبالتحديد في الهيئات الخمس – والسياسات في الشركات العامة والتقدمات في الميزانية الوطنية. إلا أن المساواة ما زالت صعبة جدًا في المعترك السياسي إذ ما من رابط بين التقدم السياسي المحرز في مجال المساواة في الفرص والحقوق والمشاركة السياسية الفعلية.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: لمَ هذه الثغرة؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أن هذه الثغرة تنشأ لأن الأحزاب السياسية ما زالت السلطة الأكثر ثباتًا وصلابةً في بلدنا وتلك السلطة أبوية بشكلٍ أساسي. يتجلّى ذلك عند تشكيل القوائم الانتخابية الذي يتم بناءً على معيار ذكوري. لم تظهر مسألة المساواة في المشاركة في القوائم الانتخابية سوى في الحملة الانتخابية الأخيرة. في الانتخابات الداخلية للجبهة العريضة، اقترح ذلك أحد المرشحين وهو المرشّح الذي ترشحت معه. حتى أنه أعلن أنه في حال انتخابه، سوف يعيّن حكومة يتساوى فيها عدد النساء والرجال. كانت المرة الأولى التي يحدث فيها ذلك وأعتقد أنه نتج من الكفاح الشرس الذي قادته الحركات النسائية السياسية والاجتماعية على مر السنين.
لكن الغريب أن قانون الكوتا ينصّ على أن الكوتا إلزامية للإنتخابات الداخلية – بدءًا من الانتخابات التالية – لكن ذلك لا ينطبق على الانتخابات العامة. قُدّمت حجج واهية لتبرير ذلك، وبشكل خاص التأكيد على أنه ما من نساء مؤهلات، كما ولو كان الرجال مؤهلين بالفطرة وليس بالممارسة. فالمرء يتعلم من خلال ممارسة التمثيل والسلطة. من جهةٍ أخرى، من الواضح أن الأشخاص الأكثر كفاءة هم اليوم خارج البرلمان، وتقودهم مجموعة من الظروف إلى دخول هذا المجال. إنها مسألة علينا أن نعالجها بإلحاح.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: كيف تنظرين إلى عملية توليد القيادات الجديدة وتطويرها؟ وما دور الأحزاب السياسية في هذه العملية؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أنه ما من عملية لتوليد القيادات الجديدة بل مجرد بعض الترشيحات الابتكارية. في أوروغواي، نحن النساء اللواتي أحدثنا السوابق قد تخطينا اليوم الخمسين من العمر، واليوم باتت القيادات المعروفة من النساء الراشدات. قلّة قليلة من النساء الشابات يشاركن في المناصب السياسية. يقال الكثير عن توليد القيادات الجديدة لأن هذه الأقوال تلقى قبولاً واسعًا وهي صحيحة من الناحية السياسية، لكن عندما يحين وقت تحديد المرشحين القادرين على تولي منصب الرئاسة، يكون معدّل العمر بين 60 و70 عامًا. أعتقد أن الأحزاب السياسية قد جمّدت حتى إمكانية نشوء قيادات جديدة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: أنت مديرة المعهد الذي يدير سياسات الجنسانية في البلاد. ما الاستراتيجيات المعتمدة لتعزيز المساواة في النفاذ إلى التمثيل السياسي للنساء؟ ما الأهداف المرجو بلوغها؟
كارمن بيراميندي: تهدف خطتنا من أجل المساواة في الفرص والحقوق بوضوح إلى تحقيق المساواة. لقد نظمنا بعض الاجتماعات ومنتديات التفكير وحلقات النقاش حول الموضوع هذا. كما قدمنا دعمنا إلى مبادرات المجتمع المدني التي ترمي إلى تحقيق الغاية نفسها. عندما دار النقاش بشأن قانون الأحزاب السياسية، طلبنا من الأحزاب ابداء آرائها حول هذا القانون، لكننا لم نحقق نجاحًا باهرًا. يحظى المعهد بالاعتراف في حال السياسات التي تطبقها السلطة التنفيذية، لكن القبول محدود عندما تطبق السلطات الحكومية الأخرى هذه السياسات. لذلك، في عام 2008، ناصرنا جمعيات نسائية إقليمية جذبت في نهاية المطاف أكثر من 4000 امرأة بهدف اعتماد الخطة. حوّلنا عام 2009 الانتخابي إلى موضوع أساسي في الجمعيات، فشجعنا النساء على متابعة العملية الانتخابية عن كثب من تشكيل القوائم إلى الانخراط في الانتخابات. لم نسعَ إلى تحفيز النساء للتصويت للمزيد من النساء فحسب، بل للتصويت للنساء اللواتي التزمن بالعمل من أجل الارتقاء بحقوق المرأة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: لقد مثلتِ أوروغواي في الاجتماع المتخصص المعني بالمرأة (REM). من فضلك اشرحي لنا ما هو الاجتماع المتخصص هذا وما الأثر الذي تركه على المنطقة؟
كارمن بيراميندي: إن الاجتماع المتخصص المعني بالمرأة هو حيز مخصص للمرأة ضمن السوق المشتركة لأميركا الجنوبية (MERCOSUR) يهدف إلى التأثير على السياسات ضمن المؤسسة. على سبيل المثال، عند تأسيس برلمان خاص بالسوق المشتركة لأميركا الجنوبية، قدّمنا توصية تنادي بمنح النساء والرجال عدد متساوٍ من المقاعد في البرلمانات المقبلة. وفي القمة الرئاسية، قدمنا قرارًا اتفقت عليه النساء الوزيرات في المنطقة كافةً، وتم اعتماد القرار بعدها في شيلي في عهد الرئيسة ميشال باشليه. ولعلّ الإنجاز الأبرز كان القرار الذي اعتمده المؤتمر العاشر للجنة الاقتصادية لأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي (ECLAC) وهو "توافق كيتو" (2007) الذي كان الأداة الأولى التي تقترح المساواة بين الرجل والمرأة في مجال صنع القرار وإعادة توزيع المهام ضمن تقسيم العمل والاعتراف بعمل المرأة غير مدفوع الأجر. كان إنجازًا لافتًا ربط ما بين أجندتين اثنتين، أي أجندة العمل غير مدفوع الأجر أو تقسيم العمل المنزلي وفق النوع الاجتماعي، وأجندة المشاركة في هيكليات السلطة. فالأجندتان مرتبطتان بتوزيع السلطة في المجالين العام والخاص. كانت خطوة حكيمة قام بها قسم شؤون الجنسانية بأن يربط ما بين هذين الموضوعين. في السوق المشتركة لأميركا الجنوبية، عملنا من أجل تعميم هذه المقاربة واليوم حظينا بمشروع إقليمي لتحقيق هذا الغرض. سوف نتمكّن من تعزيز عملنا المشترك كمنطقةٍ واحدة، فنوحّد مختلف الحركات لنعزز مشاركة المرأة في السياسة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: لا شك أن تغيير الأنظمة لا يشكّل سوى جزء واحد من العوامل الضرورية لتحقيق المساواة. ما التغييرات الهيكلية التي تقترحينها لتقليص هوة عدم المساواة؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أنه على أوروغواي إجراء نقاش دستوري أكثر حدّة وإطلاق إصلاح دستوري معمّق. إنها الطريقة الوحيدة لتحظى المرأة بالاعتراف الفعلي بحقوقها وتصبح الحقوق نافذةً.
يشكّل ضعف مشاركة المرأة في السياسة عجزًا ديمقراطيًا أساسيًا. فكلّ الهيكليات التي تعزز فعالية الديمقراطية هي أيضًا هيكليات قد تساهم في تعزيز مشاركة المرأة في السياسة لكن هذه العملية ليست تلقائية. إنها عبرة استخلصتها من تجربتي الشخصية على الأقل. فكلّما كانت الهيكلية ديمقراطيةً،كلّما ازداد عدد النساء المنتخبات فيها. قد يقول البعض إن النظام الحالي يسمح للنساء بالترشح، إلا أن ذلك غير صحيح لأن الترشيحات "تُطبخ" في مطابخ عددٍ محدود من الأشخاص معظمهم من الرجال. أضف إلى ذلك المتطلبات الاقتصادية للمحافظة على الترشيح، وإذا ما كان القادة الحزبيون يتحكّمون بالموارد، يكون قرار الترشيح بين يديهم. لذلك يبدو إصلاح الأحزاب السياسية أساسيًا ويجب أن يتضمن منهجيات لضمان المساواة بين الجنسين. كما يجب أن ينص القانون على المساواة في المشاركة بين الرجال والنساء.
أعتقد أننا كنا نشعر بالخجل في أوروغواي. لقد انتقدتُ كثيرًا قانون الكوتا، لكنني أدافع عنه اليوم لأنهم يريدون وضعه على الرفّ، لكن في الواقع أعتقد أنه يجب التشديد على المساواة الكاملة.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: بالعودة إلى ما ذكرته بشأن التحالفات والشبكات، ما كان دورها في مسيرتك السياسية؟
كارمن بيراميندي: أعتقد أنها كانت أساسية. يملك الرجال السلطة لأنهم يعلمون كيف يبنون الجسور والتحالفات على الرغم من الاختلافات بينهم. يعتمد عددٌ كبير من الأفكار التي تكلّمنا عليها في هذه المقابلة على وضع استراتيجيات التحالف بين النساء. لقد طوّرت مارسيلا لاغارد هذه الفكرة من خلال مفهوم النادي النسائي. علينا أن نتعلّم الكثير في هذا المجال. ما إن يلمع اسم امرأة ما، يهرع الرجال والنساء على حدٍ سواء لتحجيمها. لكن عندما يلمع اسم 20 رجلاً، لا نرى أحدًا ينتقص منهم بهذه السهولة. علينا كنساء أن نتعلم الكثير في هذا المجال.
عندما كنت في الاتحاد العمالي، كنت المرأة الوحيدة من بين 20 قائدًا في البداية. بعد 8 سنوات، صار الاتحاد يضم في قيادته 10 نساء و10 رجال. لقد روّجت سياسةً ملموسة، فكنتُ رئيسة الاتحاد ودفعت قدمًا باللجنة الخاصة بالجنسانية التي كانت قائمة. لكن بعد مغادرتي الاتحاد بثلاث أو أربع سنوات، عاد تمثيل المرأة ليكون محدودًا. انتهى بي الأمر كمديرة المعهد الوطني للمرأة (INMUJERES) ليس نتيجة قرار الرئيس فحسب، بل أيضًا بناءً على إجماع النساء من كل أحزاب تحالف الجبهة العريضة. بدأت ولايتي بحضور واسع للنساء من كل أحزاب الجبهة العريضة ودعمهنّ ما قدم لي نفوذًا واسعًا للتصرف.
أعتقد أننا كنساء يصعب علينا أن نحدّد النزاعات بوضوح. أعتمد المواجهة المباشرة عندما أعلن عن الاختلافات فلا تكون النتيجة إيجابية تمامًا. لكن على المدى الطويل، تولّد هذه المقاربة شرعية أكبر وأشعر أيضًا أنها تمنحني السلام الداخلي. إني على قناعة بأن عددًا كبيرًا من النساء في أوروغواي يجب أن يحتل المركز الأول في القوائم الانتخابية. لكن عندما يطرح هذا الموضوع، غالبًا ما نفشل في إرساء التضامن، فيؤدي إلى انسحاب عددٍ كبير. حتى ولو لم يحصل الرجل على التضامن المطلوب وهو يسعى إلى الحصول على المنصب، لا يأبه برأي الآخرين. لكن بنية المرأة في المجتمع تعتمد على رأي الآخرين بها. في السياسة، ينقلب هذا ضدنا. إلا أنني لا أشعر بذلك اليوم لربّما لأنني أصبحت متمرسة إلى حدٍ ما. عندما كنت نائبًا في البرلمان، كنت أمًا لطفل لم يبلغ الثانية من العمر، وعندها كان حدثًا أساسيًا أن تكون امرأة نائبًا في البرلمان وأمًا لطفل صغير. تتكبد المرأة التي تدخل السياسة كلفةً باهظة. فقلّة قليلة من الرجال تؤدي دورًا مساويًا لدور المرأة في الحياة اليومية، ويصعب على هؤلاء الرجال العيش إلى جانب نساء طموحات.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة: في النهاية، ما الاقتراحات التي تقدمينها إلى المرأة التي تود المشاركة في السياسة لكن تواجه مصاعب هائلة، ليس في أوروغواي فحسب بل في المنطقة ككل؟
كارمن بيراميندي: علينا أن نتخذ قرارًا صارمًا بتعزيز نفوذنا كمجموعة. أعتقد أنه من المهم جدًا أن ننسج الشبكات إذا ما أردنا فعلاً أن نتقدّم في مجال صنع القرارات وبناء التحالفات في ما بيننا. بهذه الطريقة، عندما تدخل النساء في جدالات في المناصب العامة، بإمكاننا أن نقدم لهن الدعم ونشجعهن. إنها مسألة تغيير طريقة ممارسة السياسة. لا أحبذ دخولنا السياسة لتبقى سياسة عمودية واستبدادية وأبوية. يكمن التحدي اليوم في تحويل السياسة و"أنسنتها".