ماريا أنطونييتا سا
"إن المجتمع في شيلي أكثر تقدميةً وانفتاحًا تجاه النساء من الأحزاب السياسية. فالعقبة الكبرى تكمن في الأحزاب السياسية. تؤكّد الدراسات أن النساء المرشحات في الانتخابات النيابية أكثر جدارةً من الرجال. قلتُ وأكرر إن ميشال باشليه لم تصبح رئيسة بفضل دعم الأحزاب السياسية لها، بل لأن الشعب اختارها، فهو لا تتحكم به الأفكار المسبقة وينتخب النساء."
المتن:
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:لقد قطعتِ شوطًا طويلاً وقيّمًا جدّاً في مسيرتك السياسية. هلاّ أعطيتنا لمحة عن هذه المسيرة وبشكلٍ خاص ما الأثر الذي تركته عليك كامرأة؟
ماريا أنطونييتا سا:دخلتُ معترك السياسة منذ السبعينيات وشاركتُ في الكفاحات الاجتماعية منذ المدرسة الثانوية. يرتبط جزءٌ كبير من تجربتي بنظام بينوشيه الدكتاتوري (1973-1990) وحركة المقاومة. في خلال تلك السنوات، أجبرَنا القمع الدكتاتوري في الميدان السياسي على بناء قدراتنا كنساء ويا للمفارقة! كانت تجربةً متميّزة جدًا ومكّنتنا من مساعدة نساء قويات على الظهور في المجال السياسي في غياب الأحزاب السياسية. فنشأت مجموعة من النساء انخرطت لاحقًا في برامج الحكومات الديمقراطية. هكذا نشأت الخدمة الوطنية للنساء (SERNAM) بموجب القانون. عند إعادة بناء النظام الديمقراطي، عيّنني الرئيس باتريسيو أليوين عمدة مدينة كونشالي الأولى (1990) (وفي حينها لم تكن الانتخابات البلدية المباشرة قد أجريت) وبعد ذلك انتُخبت نائبًا في البرلمان.
لقد تركت هذه المسيرة الإيجابيات والسلبيات. فلقد كوّن المجتمع عنّا صورةً إيجابية. انتخبنا المواطنون ووضعوا ثقتهم فينا بناءً على عملنا ونزاهتنا. إلا أن المشكلة تكمن في علاقاتنا مع الأحزاب السياسية وتقييم الحكومات وطريقة تعاطي وسائل الإعلام معنا. فالصحافة تتعامل مع النساء بشكلٍ مختلف وهي أقل تسامحًا معنا ممّا هي مع الرجال السياسيين، والفرق في التعاطي واضح وضوح الشمس.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:تطرّقتِ إلى دور النساء في ظلّ النظام الدكتاتوري. لكن ما دور النساء والمنظّمات النسائية في العملية السياسية ما بعد الدكتاتورية أي في المرحلة الإنتقالية وبعدها في الديمقراطية. أي عمليّة أدّت إلى انتخاب السيّدة ميشال باشليه (2006-2010) إلى سدّة الرئاسة لتكون المرأة الأولى التي تتولى هذا المنصب في بلدك؟
ماريا أنطونييتا سا:لقد سبق وذكرت أن المرأة في بلادي في ظل الدكتاتورية إرتقت بنفسها فأصبحت كائنًا إجتماعيًا سياسيًا إضطلع بدورٍ لافت في الكفاح من أجل الديمقراطية. كانت مطالبنا مسموعةً وبذلنا الجهود الدؤوبة لنحدد الأجندة. كان حضور المرأة لافتًا أيضًا في صفوف المعارضة بشعار: "الديمقراطية في الوطن... الديمقراطية في المنزل". وإذ تولّت الحكومات الديمقراطية مقاليد الحكم، تحوّلت الأجندة إلى برنامج وأطلقت السياسات حول حقوق المرأة والقضاء على التمييز وإرساء المساواة وغيرها.
لكن في مجال التمثيل على الساحة السياسية، كانت العراقيل أكبر. لم تضم الحكومة الأولى مثلاً أي امرأة على الرغم مما اقترحناه إلى الحكومة الديمقراطية الأولى. وكنت الامرأة الأولى التي عيّنت عمدة وعيّنت امرأة أخرى في منصب نائب وزير الإسكان. بعد ذلك، أنشئت الخدمة الوطنية للنساء (SERNAM) لتكون وزارة ترأسها امرأة.
لكن الحال هي أن الحركة النسائية التي نشطت في خلال النظام الدكتاتوري تراجعت عندما ظهرت الأحزاب السياسية. عندها قررت بعض النساء الإنخراط في هيكليات تحمل طابعًا سياسيًا أكبر إذ أدركن أنه إذا ما بقين خارج الأحزاب لن يتمكنّ من تحقيق الأجندة النسائية. ولقد ولّدت هذه الحالة التوترات وتداعت الحركات النسائية.
كيف نجحت ميشال باشليه في الوصول إلى الرئاسة؟ من يدخل منّا عالم الأحزاب السياسية يكافح لتعزيز حضور المرأة وتوسيع تمثيلها في المناصب المنتخبة. قدّمنا اقتراحًا إلى الرئيس لاغوس (2002-2006) بتعيين نساء في مناصب وزارية وبالفعل تعهّد بتعيين 5 نساء في موقع وزراء. ولقد وفى بوعده وحصلت وزيرتان اثنتان من الوزيرات الخمس على دعم شعبي واسع: أولهما ميشال باشليه وكانت وزيرة الصحة العامة (2000-2002) وبعدها وزيرة الدفاع (2002-2004) والأخرى كانت سوليداد ألفيار التي كانت وزيرة الخدمة الوطنية للنساء (SERNAM(1991-1994) وبعدها وزيرة العدل (1994-1999) ) في الحكومة الديمقراطية الأولى، وعيّنت بعد ذلك وزيرة الخارجية (2002-2004) في حكومة لاغوس. وترشّحت الاثنتان ضمن كلّ من حزبيهما في الإنتخابات الحزبية لاختيار المرشح الرئاسي إلا أن حزب "كونسرتاسيون" اختار ميشال باشليه لتكون مرشحته الرئاسية. ولم يكن هذا الترشيح نتيجة اتفاق ما بين أحزاب ائتلاف " كونسرتاسيون" بل كان انتخابًا شعبيًا من خلال المسوحات واستطلاعات الرأي. إن لم تحظَ ميشال بالدعاية التي حظيت بها في خلال توليها المناصب الوزارية وإن لم تحظ بالدعم الشعبي الذي نشأ من إدارتها، لم تكن لتصل إلى سدة الرئاسة ولم تكن الأحزاب السياسية لتختارها.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:يؤكّد محللون أن الحكومات المحلية يجب أن تكون المكان الأفضل على الساحة السياسية لتوفر التمثيل الأفضل للنساء في السياسة إلا أن الواقع مختلف تمامًا. فلا تحتلّ النساء سوى 10% بالكاد من مناصب العمدة مقابل 21% من مقاعد البرلمان. نظرًا لتجربتك في هذين المجالين، ما هي الإختلافات بينهما؟ ما هي العبر التي استخلصتها من تجربتك في موقع العمدة؟
ماريا أنطونييتا سا: كانت تجربتي في موقع العمدة تجربةً رائعة. تولّيت هذا المنصب ما بين 1990 و1992 وكنت قد ورثت المجلس البلدي من زمن النظام الدكتاتوري. كان مجلسًا خاضعًا لهيمنة جماعات المصالح يضم رجال أعمال ومجموعات الأحياء وغيرها. لم تكن المجالس البلدية متطوّرة كما هي اليوم. إلا أننا نسجنا علاقات وثيقة متميّزة مع المواطنين وأتيحت فرصٌ كثيرة أمامنا. في حينها، قابلت الرئيس وقلت له "سيّدي الرئيس، أنا هنا لأمثّل 500 ألف نسمة". كنت أشعر بأنني رئيسة هؤلاء الأفراد على الرغم من افتقارنا إلى الموارد التي يتمتع بها أي عمدة اليوم. فالنظام السياسي في شيلي يتمحور إلى حدٍ بعيد حول موقع الرئاسة وفي البلديات يطبّق النظام نفسه، إذ يتمتع العمدة بسلطة كبيرة على المجلس البلدي.
في الانتخابات، تتكرر المشكلة نفسها. يصعب جدًا على النساء الوصول إلى المناصب السياسية بسبب العراقيل التي تضعها الأحزاب السياسية وبسبب الثقافة الذكورية التي تسود في هذه الأحزاب. فالمجتمع ينتخبنا إلاّ أن المشكلة تكمن في أن تختارنا الأحزاب السياسية من بين مرشحيها. فمنصب العمدة منصب لشخص واحد فيما يترشح الأفراد من تحالف ما أو من ائتلاف سياسي لتبوّئه. أظهرت تجربتنا في شيلي أنه إذا ما استمر فشلنا في تخطي حاجز الأحزاب السياسية، من الصعب أن يزداد عدد النساء في منصب العمدة. في الحزب من أجل الديمقراطية (PDD) الذي أنتمي إليه وهو حزب تقدمي، لقد اعتمدنا كوتا داخلية للمرشحات إلا أنه من الصعب تطبيقها. من جهةٍ أخرى، لم نتمكن من فرض هذه الكوتا من خلال التشريعات بل تقتصر الكوتا على الكوتا الطوعية ضمن كل من الأحزاب.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:لقد ذكرتِ أن الأحزاب السياسية في شيلي تشكّل حاجزًا أمام وصول المرأة إلى مناصب صنع القرار. ما الخطوات التي يجب اتّخاذها لتكون الأحزاب أكثر ديمقراطيةً؟
ماريا أنطونييتا سا: أعتقد أن أحزابنا السياسية تشهد أزمة تمثيل حقيقية وأحد أسبابها الإفتقار إلى الديمقراطية الداخلية. إذا ما لم نحدث تغييرًا جذريًا في الأحزاب السياسية، قد تحلّ مكاننا الحركات الشعبوية أو اليسارية أو اليمينية. في شيلي، ما زالت الأحزاب التقدمية لم تتدارك هذه الأزمة الوشيكة.
إن الأحزاب السياسية في شيلي معادية للنساء إلى حدٍ بعيد أي لا تحتضن النساء في كنفها. وتفتقر الأحزاب إلى القناعة الصريحة على مستوى القبول الأيديولوجي والعملي لمشاركة المرأة في السياسة ما بين القادة الحزبيين من الرجال. قد تقبل الأحزاب بهذه المشاركة في الشكليات لتكون "لائقة سياسيًا" لكن عندما يحين وقت التنفيذ، تتفاداها بمختلف الأشكال. لقد أمست الكوتا "كوتا عن بعد" حتى في الأحزاب التقدمية. في ظل هذه الظروف، لا يحصل أي حزبي على الحوافز لينتخب لتمثيل الحزب. غالبًا ما يكون على المرأة أن تلجأ إلى خبرتها السابقة خارج الحزب السياسي عوضًا عن تجربتها الحزبية.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:برأيكِ، ما هي أهم إنجازات الرئيسة ميشال باشليه في مجال تعزيز مشاركة المرأة في السياسة؟
ماريا أنطونييتا سا: أعتقد أن الإنجاز الأول يتمثّل بانتخاب ميشال إلى موقع الرئاسة نفسها. فاحتلالها هذا الموقع قد غيّر نظرة النساء والمراهقات والفتيات. الآن باتت الفتيات يعرفن أنهن بإمكانهن أن يصلن إلى موقع الرئاسة والنيابة والعمدة وغيرها. إلا أننا لم تنمكّن من اعتماد قانون كوتا في البرلمان. قدّمت الرئيسة قانونًا حول هذا الموضوع، وقدّمنا كنساء قانونًا آخر إلا أننا فشلنا. ولم تطرح المصاعب من اليمين فحسب بل أيضًا من حزب "كونسرتاسيون".
لقد واجهت ميشال صعوبات عدّة في خلال العامين الأولين من ولايتها. شكك في قيادتها حتى بعض القادة من حزب "كونسرتاسيون"، لكنها اليوم تترك الحكم بتأييد شعبي يفوق 80%. إلا أن هذا الدعم والتقدير لا يعززان حضور المرأة على الساحة السياسية بسبب الثقافة السياسية السائدة والحواجز التي تطرح ضمن الأحزاب.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:سبق وذكرتِ أن الحواجز التي تطرح هي حواجز هيكلية. نعلم أن الأطر القانونية قد تساعد لكن التحوّل الحاسم يعتمد على تغيير الذهنية الاجتماعية. ما رأيك بهذه المقولة؟
ماريا أنطونييتا سا: إن المجتمع في شيلي أكثر تقدميةً وانفتاحًا تجاه النساء من الأحزاب السياسية. فالعقبة الكبرى تكمن في الأحزاب السياسية. تؤكّد الدراسات أن النساء المرشحات في الانتخابات النيابية أكثر جدارةً من الرجال. قلتُ وأكرر إن ميشال باشليه لم تصبح رئيسة بفضل دعم الأحزاب السياسية لها، بل لأن الشعب اختارها، فهو لا تتحكم به الأفكار المسبقة وينتخب النساء. لا يخطر ببال القادة الحزبيين أنهم إذا ما رشحوا عددًا أكبر من النساء يحققون نتائج فضلى في الانتخابات ولا يفكرون حتى في هذا الاحتمال العملي.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:ما الخطوات الضرورية لتحقيق التغيير؟
ماريا أنطونييتا سا: علينا مواصلة الكفاح. لسوء الحظ، لا تبالي منظمات نسائية عدّة في المجتمع المدني في المشاركة في الكفاح لزيادة انخراط النساء في الأحزاب السياسية. تشعر المنظمات أن هذا الكفاح ليس من ضمن أهدافها لا بل منافيًا لأهدافها. صحيح أن المسألة معقدة إلا أن التغيير آتٍ لا محال. لا يمكن الأحزاب السياسية أن تكون منفصلة عمّا يريده المواطنون، والمجتمع يريد أن تكون المرأة قائدةً ونائبًا وعمدة. إنها الأحزاب السياسية التي تحمل مفتاح الحل، إلا أنها سوف تدرك أهمية التغيير عاجلاً أم آجلاً ولو كانت العملية مكلفة. من المهم أن نعمل مع القادة كما عملنا مع الرئيس السابق لاغوس.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:بالانتقال إلى مسألة أخرى، هلاّ وصفت لنا تجربتك في العمل مع الشبكات والتحالفات الدولية؟ ما رأيك بهذه التجمعات؟
ماريا أنطونييتا سا: لا شك أن الشبكات الدولية بالغة الأهمية، بخاصة لتبادل الخبرات. بشكل عام تعتبر التحالفات أساسية. في شيلي، واجهنا صعوبات عدة في إرساء جو من التآزر بين النساء في البرلمان بهدف الدفع بالأجندة النسائية قدمًا. في البداية كانت العملية صعبةً جدًا إذ كانت شيلي خارجة من تحت سيطرة النظام الدكتاتوري وكانت هوة شاسعة تفصل بين النساء واليمين. تغيرت الأمور شيئًا فشيء وقدّمت النساء من اليمين دعمها إلى بعض جوانب الأجندة النسائية وبشكلٍ عام الجوانب المتعلقة بالشؤون العائلية مثل المساعدات الغذائية، وحقوق الطفل وغيرها. لكن لم يدعمن المواضيع الأخرى على غرار قانون الطلاق الذي ما زلنا نناقشه من 10 سنوات. بالعودة إلى قانون الكوتا، تلوح في الأفق علامات التغيير مع دعم بعض النساء من اليمين لهذا القانون. لكن من الواضح أن هوة شاسعة تفصل بيننا وبينهن في مسألة الحقوق الجنسية والإنجابية. لم نتمكن من تشكيل تجمع نسائي كما هي الحال في البلدان الأخرى. في شيلي، إن اليمين محافظ جدًا لكن الأحزاب اليمينية تشهد اليوم ظهور نساء بنظرة تقدّمية، لكن من الصعب جدًا عليهن أن يحصلن على تأييد ضمن حزبهن.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:كيف يمكن تجديد القيادة السياسية في شيلي؟
ماريا أنطونييتا سا: إن الأمر معقدّ فتجديد القيادة السياسية لا يقتصر على إرادة جيل الشباب. نبذل الجهود كنساء لنمهد الطريق أمامهم لكن عليهم أن يتحلوا بنفس طويل وإرادة صلبة بهدف تخطي العقبات كافة ضمن الأحزاب السياسية.
عملنا مع المنظمات النسائية لتقديم الاقتراحات إلى النساء المرشحات لتولّي مناصب سياسية أساسية. وضعنا مشروعًا مثيرًا للاهتمام إذ جمعنا السير الذاتية الغنية بالخبرة والمؤهلات للنساء وقدّمناها بهدف دحض الصورة النمطية بأن مجتمعنا لا يضم نساء مؤهلات لتولي مناصب في الإدارة العامة. كنا نود أن نبرهن لدعاة هذه الأفكار ونقول "تفضلوا! إليكم 10 نساء بإمكانهم تولي هذا المنصب" إن لمناصب الخدمة العامة أو نيابة الوزير أو الوزارة نفسها. وبذلك بعد الوصول إلى المناصب الحكومية يتعزز حضور النساء على الساحة السياسية والاعتراف العام بهن ما قد يساعدهن لاحقًا على المنافسة في الإنتخابات كمرشحات. لقد حققت الرئيسة (ميشال باشليه) إنجازًا أساسيًا في مجال المساواة في حكومتها، لا سيما مع النساء الوزيرات اللواتي قمن بعمل ممتاز واطّلع المواطنون جميعهم على هذه الإنجازات. كافحت ميشال بشراسة ضمن حزبها السياسي لتحقق المساواة في تشكيل حكومتها. على الرغم مما ادعته الأحزاب، وجدت ميشال نساء مؤهلات سوف يصلن في المستقبل إلى البرلمان. إنه لطريق وعر فتولي مناصب القيادة ضمن الأحزاب السياسية مسألة صعبة جدًا. فتسيطر في شيلي الثقافة الذكورية إلى حدٍبعيد وبشكل عام في الأحزاب السياسية على الرغم من أن بلدنا يبدو بلدًا متقدمًا جدًا.
"إن المجتمع في شيلي أكثر تقدميةً وانفتاحًا تجاه النساء من الأحزاب السياسية. فالعقبة الكبرى تكمن في الأحزاب السياسية. تؤكّد الدراسات أن النساء المرشحات في الانتخابات النيابية أكثر جدارةً من الرجال. قلتُ وأكرر إن ميشال باشليه لم تصبح رئيسة بفضل دعم الأحزاب السياسية لها، بل لأن الشعب اختارها، فهو لا تتحكم به الأفكار المسبقة وينتخب النساء."
المتن:
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:لقد قطعتِ شوطًا طويلاً وقيّمًا جدّاً في مسيرتك السياسية. هلاّ أعطيتنا لمحة عن هذه المسيرة وبشكلٍ خاص ما الأثر الذي تركته عليك كامرأة؟
ماريا أنطونييتا سا:دخلتُ معترك السياسة منذ السبعينيات وشاركتُ في الكفاحات الاجتماعية منذ المدرسة الثانوية. يرتبط جزءٌ كبير من تجربتي بنظام بينوشيه الدكتاتوري (1973-1990) وحركة المقاومة. في خلال تلك السنوات، أجبرَنا القمع الدكتاتوري في الميدان السياسي على بناء قدراتنا كنساء ويا للمفارقة! كانت تجربةً متميّزة جدًا ومكّنتنا من مساعدة نساء قويات على الظهور في المجال السياسي في غياب الأحزاب السياسية. فنشأت مجموعة من النساء انخرطت لاحقًا في برامج الحكومات الديمقراطية. هكذا نشأت الخدمة الوطنية للنساء (SERNAM) بموجب القانون. عند إعادة بناء النظام الديمقراطي، عيّنني الرئيس باتريسيو أليوين عمدة مدينة كونشالي الأولى (1990) (وفي حينها لم تكن الانتخابات البلدية المباشرة قد أجريت) وبعد ذلك انتُخبت نائبًا في البرلمان.
لقد تركت هذه المسيرة الإيجابيات والسلبيات. فلقد كوّن المجتمع عنّا صورةً إيجابية. انتخبنا المواطنون ووضعوا ثقتهم فينا بناءً على عملنا ونزاهتنا. إلا أن المشكلة تكمن في علاقاتنا مع الأحزاب السياسية وتقييم الحكومات وطريقة تعاطي وسائل الإعلام معنا. فالصحافة تتعامل مع النساء بشكلٍ مختلف وهي أقل تسامحًا معنا ممّا هي مع الرجال السياسيين، والفرق في التعاطي واضح وضوح الشمس.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:تطرّقتِ إلى دور النساء في ظلّ النظام الدكتاتوري. لكن ما دور النساء والمنظّمات النسائية في العملية السياسية ما بعد الدكتاتورية أي في المرحلة الإنتقالية وبعدها في الديمقراطية. أي عمليّة أدّت إلى انتخاب السيّدة ميشال باشليه (2006-2010) إلى سدّة الرئاسة لتكون المرأة الأولى التي تتولى هذا المنصب في بلدك؟
ماريا أنطونييتا سا:لقد سبق وذكرت أن المرأة في بلادي في ظل الدكتاتورية إرتقت بنفسها فأصبحت كائنًا إجتماعيًا سياسيًا إضطلع بدورٍ لافت في الكفاح من أجل الديمقراطية. كانت مطالبنا مسموعةً وبذلنا الجهود الدؤوبة لنحدد الأجندة. كان حضور المرأة لافتًا أيضًا في صفوف المعارضة بشعار: "الديمقراطية في الوطن... الديمقراطية في المنزل". وإذ تولّت الحكومات الديمقراطية مقاليد الحكم، تحوّلت الأجندة إلى برنامج وأطلقت السياسات حول حقوق المرأة والقضاء على التمييز وإرساء المساواة وغيرها.
لكن في مجال التمثيل على الساحة السياسية، كانت العراقيل أكبر. لم تضم الحكومة الأولى مثلاً أي امرأة على الرغم مما اقترحناه إلى الحكومة الديمقراطية الأولى. وكنت الامرأة الأولى التي عيّنت عمدة وعيّنت امرأة أخرى في منصب نائب وزير الإسكان. بعد ذلك، أنشئت الخدمة الوطنية للنساء (SERNAM) لتكون وزارة ترأسها امرأة.
لكن الحال هي أن الحركة النسائية التي نشطت في خلال النظام الدكتاتوري تراجعت عندما ظهرت الأحزاب السياسية. عندها قررت بعض النساء الإنخراط في هيكليات تحمل طابعًا سياسيًا أكبر إذ أدركن أنه إذا ما بقين خارج الأحزاب لن يتمكنّ من تحقيق الأجندة النسائية. ولقد ولّدت هذه الحالة التوترات وتداعت الحركات النسائية.
كيف نجحت ميشال باشليه في الوصول إلى الرئاسة؟ من يدخل منّا عالم الأحزاب السياسية يكافح لتعزيز حضور المرأة وتوسيع تمثيلها في المناصب المنتخبة. قدّمنا اقتراحًا إلى الرئيس لاغوس (2002-2006) بتعيين نساء في مناصب وزارية وبالفعل تعهّد بتعيين 5 نساء في موقع وزراء. ولقد وفى بوعده وحصلت وزيرتان اثنتان من الوزيرات الخمس على دعم شعبي واسع: أولهما ميشال باشليه وكانت وزيرة الصحة العامة (2000-2002) وبعدها وزيرة الدفاع (2002-2004) والأخرى كانت سوليداد ألفيار التي كانت وزيرة الخدمة الوطنية للنساء (SERNAM(1991-1994) وبعدها وزيرة العدل (1994-1999) ) في الحكومة الديمقراطية الأولى، وعيّنت بعد ذلك وزيرة الخارجية (2002-2004) في حكومة لاغوس. وترشّحت الاثنتان ضمن كلّ من حزبيهما في الإنتخابات الحزبية لاختيار المرشح الرئاسي إلا أن حزب "كونسرتاسيون" اختار ميشال باشليه لتكون مرشحته الرئاسية. ولم يكن هذا الترشيح نتيجة اتفاق ما بين أحزاب ائتلاف " كونسرتاسيون" بل كان انتخابًا شعبيًا من خلال المسوحات واستطلاعات الرأي. إن لم تحظَ ميشال بالدعاية التي حظيت بها في خلال توليها المناصب الوزارية وإن لم تحظ بالدعم الشعبي الذي نشأ من إدارتها، لم تكن لتصل إلى سدة الرئاسة ولم تكن الأحزاب السياسية لتختارها.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:يؤكّد محللون أن الحكومات المحلية يجب أن تكون المكان الأفضل على الساحة السياسية لتوفر التمثيل الأفضل للنساء في السياسة إلا أن الواقع مختلف تمامًا. فلا تحتلّ النساء سوى 10% بالكاد من مناصب العمدة مقابل 21% من مقاعد البرلمان. نظرًا لتجربتك في هذين المجالين، ما هي الإختلافات بينهما؟ ما هي العبر التي استخلصتها من تجربتك في موقع العمدة؟
ماريا أنطونييتا سا: كانت تجربتي في موقع العمدة تجربةً رائعة. تولّيت هذا المنصب ما بين 1990 و1992 وكنت قد ورثت المجلس البلدي من زمن النظام الدكتاتوري. كان مجلسًا خاضعًا لهيمنة جماعات المصالح يضم رجال أعمال ومجموعات الأحياء وغيرها. لم تكن المجالس البلدية متطوّرة كما هي اليوم. إلا أننا نسجنا علاقات وثيقة متميّزة مع المواطنين وأتيحت فرصٌ كثيرة أمامنا. في حينها، قابلت الرئيس وقلت له "سيّدي الرئيس، أنا هنا لأمثّل 500 ألف نسمة". كنت أشعر بأنني رئيسة هؤلاء الأفراد على الرغم من افتقارنا إلى الموارد التي يتمتع بها أي عمدة اليوم. فالنظام السياسي في شيلي يتمحور إلى حدٍ بعيد حول موقع الرئاسة وفي البلديات يطبّق النظام نفسه، إذ يتمتع العمدة بسلطة كبيرة على المجلس البلدي.
في الانتخابات، تتكرر المشكلة نفسها. يصعب جدًا على النساء الوصول إلى المناصب السياسية بسبب العراقيل التي تضعها الأحزاب السياسية وبسبب الثقافة الذكورية التي تسود في هذه الأحزاب. فالمجتمع ينتخبنا إلاّ أن المشكلة تكمن في أن تختارنا الأحزاب السياسية من بين مرشحيها. فمنصب العمدة منصب لشخص واحد فيما يترشح الأفراد من تحالف ما أو من ائتلاف سياسي لتبوّئه. أظهرت تجربتنا في شيلي أنه إذا ما استمر فشلنا في تخطي حاجز الأحزاب السياسية، من الصعب أن يزداد عدد النساء في منصب العمدة. في الحزب من أجل الديمقراطية (PDD) الذي أنتمي إليه وهو حزب تقدمي، لقد اعتمدنا كوتا داخلية للمرشحات إلا أنه من الصعب تطبيقها. من جهةٍ أخرى، لم نتمكن من فرض هذه الكوتا من خلال التشريعات بل تقتصر الكوتا على الكوتا الطوعية ضمن كل من الأحزاب.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:لقد ذكرتِ أن الأحزاب السياسية في شيلي تشكّل حاجزًا أمام وصول المرأة إلى مناصب صنع القرار. ما الخطوات التي يجب اتّخاذها لتكون الأحزاب أكثر ديمقراطيةً؟
ماريا أنطونييتا سا: أعتقد أن أحزابنا السياسية تشهد أزمة تمثيل حقيقية وأحد أسبابها الإفتقار إلى الديمقراطية الداخلية. إذا ما لم نحدث تغييرًا جذريًا في الأحزاب السياسية، قد تحلّ مكاننا الحركات الشعبوية أو اليسارية أو اليمينية. في شيلي، ما زالت الأحزاب التقدمية لم تتدارك هذه الأزمة الوشيكة.
إن الأحزاب السياسية في شيلي معادية للنساء إلى حدٍ بعيد أي لا تحتضن النساء في كنفها. وتفتقر الأحزاب إلى القناعة الصريحة على مستوى القبول الأيديولوجي والعملي لمشاركة المرأة في السياسة ما بين القادة الحزبيين من الرجال. قد تقبل الأحزاب بهذه المشاركة في الشكليات لتكون "لائقة سياسيًا" لكن عندما يحين وقت التنفيذ، تتفاداها بمختلف الأشكال. لقد أمست الكوتا "كوتا عن بعد" حتى في الأحزاب التقدمية. في ظل هذه الظروف، لا يحصل أي حزبي على الحوافز لينتخب لتمثيل الحزب. غالبًا ما يكون على المرأة أن تلجأ إلى خبرتها السابقة خارج الحزب السياسي عوضًا عن تجربتها الحزبية.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:برأيكِ، ما هي أهم إنجازات الرئيسة ميشال باشليه في مجال تعزيز مشاركة المرأة في السياسة؟
ماريا أنطونييتا سا: أعتقد أن الإنجاز الأول يتمثّل بانتخاب ميشال إلى موقع الرئاسة نفسها. فاحتلالها هذا الموقع قد غيّر نظرة النساء والمراهقات والفتيات. الآن باتت الفتيات يعرفن أنهن بإمكانهن أن يصلن إلى موقع الرئاسة والنيابة والعمدة وغيرها. إلا أننا لم تنمكّن من اعتماد قانون كوتا في البرلمان. قدّمت الرئيسة قانونًا حول هذا الموضوع، وقدّمنا كنساء قانونًا آخر إلا أننا فشلنا. ولم تطرح المصاعب من اليمين فحسب بل أيضًا من حزب "كونسرتاسيون".
لقد واجهت ميشال صعوبات عدّة في خلال العامين الأولين من ولايتها. شكك في قيادتها حتى بعض القادة من حزب "كونسرتاسيون"، لكنها اليوم تترك الحكم بتأييد شعبي يفوق 80%. إلا أن هذا الدعم والتقدير لا يعززان حضور المرأة على الساحة السياسية بسبب الثقافة السياسية السائدة والحواجز التي تطرح ضمن الأحزاب.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:سبق وذكرتِ أن الحواجز التي تطرح هي حواجز هيكلية. نعلم أن الأطر القانونية قد تساعد لكن التحوّل الحاسم يعتمد على تغيير الذهنية الاجتماعية. ما رأيك بهذه المقولة؟
ماريا أنطونييتا سا: إن المجتمع في شيلي أكثر تقدميةً وانفتاحًا تجاه النساء من الأحزاب السياسية. فالعقبة الكبرى تكمن في الأحزاب السياسية. تؤكّد الدراسات أن النساء المرشحات في الانتخابات النيابية أكثر جدارةً من الرجال. قلتُ وأكرر إن ميشال باشليه لم تصبح رئيسة بفضل دعم الأحزاب السياسية لها، بل لأن الشعب اختارها، فهو لا تتحكم به الأفكار المسبقة وينتخب النساء. لا يخطر ببال القادة الحزبيين أنهم إذا ما رشحوا عددًا أكبر من النساء يحققون نتائج فضلى في الانتخابات ولا يفكرون حتى في هذا الاحتمال العملي.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:ما الخطوات الضرورية لتحقيق التغيير؟
ماريا أنطونييتا سا: علينا مواصلة الكفاح. لسوء الحظ، لا تبالي منظمات نسائية عدّة في المجتمع المدني في المشاركة في الكفاح لزيادة انخراط النساء في الأحزاب السياسية. تشعر المنظمات أن هذا الكفاح ليس من ضمن أهدافها لا بل منافيًا لأهدافها. صحيح أن المسألة معقدة إلا أن التغيير آتٍ لا محال. لا يمكن الأحزاب السياسية أن تكون منفصلة عمّا يريده المواطنون، والمجتمع يريد أن تكون المرأة قائدةً ونائبًا وعمدة. إنها الأحزاب السياسية التي تحمل مفتاح الحل، إلا أنها سوف تدرك أهمية التغيير عاجلاً أم آجلاً ولو كانت العملية مكلفة. من المهم أن نعمل مع القادة كما عملنا مع الرئيس السابق لاغوس.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:بالانتقال إلى مسألة أخرى، هلاّ وصفت لنا تجربتك في العمل مع الشبكات والتحالفات الدولية؟ ما رأيك بهذه التجمعات؟
ماريا أنطونييتا سا: لا شك أن الشبكات الدولية بالغة الأهمية، بخاصة لتبادل الخبرات. بشكل عام تعتبر التحالفات أساسية. في شيلي، واجهنا صعوبات عدة في إرساء جو من التآزر بين النساء في البرلمان بهدف الدفع بالأجندة النسائية قدمًا. في البداية كانت العملية صعبةً جدًا إذ كانت شيلي خارجة من تحت سيطرة النظام الدكتاتوري وكانت هوة شاسعة تفصل بين النساء واليمين. تغيرت الأمور شيئًا فشيء وقدّمت النساء من اليمين دعمها إلى بعض جوانب الأجندة النسائية وبشكلٍ عام الجوانب المتعلقة بالشؤون العائلية مثل المساعدات الغذائية، وحقوق الطفل وغيرها. لكن لم يدعمن المواضيع الأخرى على غرار قانون الطلاق الذي ما زلنا نناقشه من 10 سنوات. بالعودة إلى قانون الكوتا، تلوح في الأفق علامات التغيير مع دعم بعض النساء من اليمين لهذا القانون. لكن من الواضح أن هوة شاسعة تفصل بيننا وبينهن في مسألة الحقوق الجنسية والإنجابية. لم نتمكن من تشكيل تجمع نسائي كما هي الحال في البلدان الأخرى. في شيلي، إن اليمين محافظ جدًا لكن الأحزاب اليمينية تشهد اليوم ظهور نساء بنظرة تقدّمية، لكن من الصعب جدًا عليهن أن يحصلن على تأييد ضمن حزبهن.
شبكة المعرفة الدولية للنساء الناشطات في السياسة:كيف يمكن تجديد القيادة السياسية في شيلي؟
ماريا أنطونييتا سا: إن الأمر معقدّ فتجديد القيادة السياسية لا يقتصر على إرادة جيل الشباب. نبذل الجهود كنساء لنمهد الطريق أمامهم لكن عليهم أن يتحلوا بنفس طويل وإرادة صلبة بهدف تخطي العقبات كافة ضمن الأحزاب السياسية.
عملنا مع المنظمات النسائية لتقديم الاقتراحات إلى النساء المرشحات لتولّي مناصب سياسية أساسية. وضعنا مشروعًا مثيرًا للاهتمام إذ جمعنا السير الذاتية الغنية بالخبرة والمؤهلات للنساء وقدّمناها بهدف دحض الصورة النمطية بأن مجتمعنا لا يضم نساء مؤهلات لتولي مناصب في الإدارة العامة. كنا نود أن نبرهن لدعاة هذه الأفكار ونقول "تفضلوا! إليكم 10 نساء بإمكانهم تولي هذا المنصب" إن لمناصب الخدمة العامة أو نيابة الوزير أو الوزارة نفسها. وبذلك بعد الوصول إلى المناصب الحكومية يتعزز حضور النساء على الساحة السياسية والاعتراف العام بهن ما قد يساعدهن لاحقًا على المنافسة في الإنتخابات كمرشحات. لقد حققت الرئيسة (ميشال باشليه) إنجازًا أساسيًا في مجال المساواة في حكومتها، لا سيما مع النساء الوزيرات اللواتي قمن بعمل ممتاز واطّلع المواطنون جميعهم على هذه الإنجازات. كافحت ميشال بشراسة ضمن حزبها السياسي لتحقق المساواة في تشكيل حكومتها. على الرغم مما ادعته الأحزاب، وجدت ميشال نساء مؤهلات سوف يصلن في المستقبل إلى البرلمان. إنه لطريق وعر فتولي مناصب القيادة ضمن الأحزاب السياسية مسألة صعبة جدًا. فتسيطر في شيلي الثقافة الذكورية إلى حدٍبعيد وبشكل عام في الأحزاب السياسية على الرغم من أن بلدنا يبدو بلدًا متقدمًا جدًا.