ويني بيانييما
<السيّدة "ويني بيانييما" هي مديرة فريق الجنسانيّة التابع لبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، مكتب السياسة الإنمائيّة، وقد انتُخبت لثلاث ولايات في البرلمان في أوغندا كما أسّست تجمّع النساء في البرلمان. وقبل الالتحاق ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أدارت السيّدة "بيانيما" مديريّة المرأة والمسائل الجنسانيّة والتنمية في مفوضيّة الإتحاد الإفريقيّ. كانت أيضًا من الأعضاء المؤسّسين في "منتدى المرأة في الديمقراطيّة" (FOWODE) والرئيسة الأولى لهذه المنظّمة الوطنيّة غير الحكومية. إلى ذلك، شاركت السيّدة "بيانيما" في عدد من أفرقة الخبراء الاستشاريّة كما عملت مستشارة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفي صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ووكالات أمميّة أخرى. هي أيضًا عضو في الهيئة التنفيذيّة في" مؤسّسة بناء القدرات الإفريقيّة"(African Capacity Building Foundation) وفي "المركز الدولي للأبحاث حول المرأة" (International Centre for Research on Women). ومؤخرًا، كانت عضوًا في فريق أهداف الألفيّة للتنمية الخاص بالتعليم والمساواة بين الجنسين. قدّمت السيّدة "بيانيما" منشورات عدّة بشأن موضوعيّ الجنسانيّة والحوكمة، ونذكر من هذه المنشورات كتيّبًا مشتركًا بالتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي تحت عنوان "البرلمانات وعمليَة إعداد الميزانيّة والجنسانيّة"( Parliaments, the Budget Process and Gender) إضافة إلى كتيب يضم سير حياة عدد من النساء الأوغنديات الرائدات في السياسة، تحت عنوان "موجات المدّ العالي" (A Rising Tide). حازت السيّدة "بيانيما" شهادتي بكالوريوس وماجستير في الهندسة الميكانيكيّة وهندسة الملاحة الجويّة من جامعة "مانشيستر" البريطانيّة.
المتن:
فيوليت أووتوي: حضرة السيّدة "بيانيما"، هلاّ أخبرت قراءنا عن مسيرتك المهنيّة قليلاً؟ ما الخبرة التي تحلّيت بها قبل أن تصبحي عضوًا في البرلمان، ممثّلةً بلديّة "مبارارا" (في غرب أوغندا)؟ ما هي الحوافز التي دفعتك إلى امتهان السياسة؟ ويني بيانييما: لقد دخلتُ المجال السياسي قبل الترشّح إلى الانتخابات البرلمانيّة في أوغندا بفترةٍ طويلة. فعائلتي عريقة في الحياة السياسيّة في أوغندا وقد سلكت المسار عينه منذ الصبا. وفي خلال حكم "إيدي أمين" الديكتاتوري، باتت الأوضاع في بلادي لا تُحتمل لذا قررت الرحيل وأصبحت لاجئةً، ثمّ انضممت إلى منظمات سياسيّة طلابيّة عدّة في المنفى. ولطالما كنت أشعر بالشغف تجاه المجال القضائي، هذا ما دفعني إلى الرحيل وحوّلني إلى ناشطة في مجالي حقوق المرأة وحقوق الإنسان وهذا أيضًا ما ينير طريقي في مسيرتي المهنيّة حتّى اليوم. وما أن حزت شهادتي الجامعيّة في الهندسة حتّى راودتني فكرة حيازة دكتوراه في ميكانيك السوائل. لكن سرعان ما اندلعت الحرب الأهلية في بلدي فقررتُ أن أعود إلى الوطن لأشارك في المقاومة ضد الدكتاتورية. حصلت على وظيفة في شركة طيران وكنت أقدم دعمي بالسرّ إلى حركة المقاومة المتنامية، وانضويت تحت لواء حركة المقاومة الوطنية. من البديهي أن عائلتي وأصدقائي شعروا بالقلق حيال وضعي وأرادوا أن يتأكّدوا من أني بأمان لكن عرف أعضاء عائلتي أنهم لن يتمكنوا من ردعي فحاولوا أن يمدوا لي يد العون كما تيسّر لهم ذلك. فيوليت أووتوي: ما هي بعض التحديات التي واجهتها في المنفى؟ ويني بيانييما: التحدي الأكبر هو أنني لم أملك ما يكفي من المال. ومع أني حصلت على منحة دراسيّة، إلاّ أني اضطررت لتقاسمها مع شقيقتي كي نتمكن من مباشرة الدراسة الجامعيّة. كما خشيت أن يطول عهد نظام "إيدي أمين" الديكتاتوري. لازمتني فكرة واحدة على الدوام، هو بالأحرى خوف من أن يتوفى والداي قبل أن تُسنح لي فرصة العودة إلى دياري. ما خلا ذلك عشت حياة اعتياديّة ومثيرة. فقد تعرفت إلى الكثير من الإفريقيين المثيرين للاهتمام الذين كانوا يناضلون ويقاتلون بهدف تحقيق الاستقلال والعدالة في بلدانهم. كما تمكنّا، كطلاب إفريقيين من الشباب، أن نقف في وجه نظام الفصل العنصري وأن نحارب من أجل الاستقلال في ناميبيا وزيمبابوي، وتعاونّا مع طلاب بريطانيين وآخرين من مناطق أخرى في إطار قضايا هامّة عدّة في ذلك الحين. وعلى الرغم من أني كنت بعيدة عن دياري وأهلي إلا أنني لم أتحسر يومًا على حالي بل شعرت بأنني محظوظة لأنّي كنت على قيد الحياة أنجز عملاً هامًّا. فيوليت أووتوي: أيمكنكِ أن تكلمينا قليلاً على الانتقال الذي عرفته من المنفى عودةً إلى أوغندا. كم من الوقت أمضيت في المنفى؟ ويني بيانييما: لم تعترضني أي مشاكل عندما عدت إلى أوغندا وأردت الحصول على وظيفة. كنت قد عملت مع آخرين على مناهضة الأنظمة الديكتاتوريّة. وحين عدتُ بعد انتهاء الحرب الأهليّة عام 1986، كنت عضوًا في حركة المقاومة الوطنيّة. بعد أن كنت نائب ممثل أوغندا الدائم لدى اليونسكو على مدى 5 سنوات، قررت أن أعود إلى الوطن لأترشح للانتخابات النيابية. كنت قد رأيت نساءً يعشن في مناطق تشهد حروبًا ويكافحن الفقر من قبل، إلا أنني عرفت واقع النساء الفقيرات في بلدي عن كثب خلال الانتخابات. ولم أكن في بداية مسيرتي المهنيّة أشبه الصورة التقليديّة للناشطات السياسيّات المبتدئات، فقد تمتعت بالمهارات السياسيّة وبسنوات طويلة من الخبرة في هذا المجال. وعلى الرغم من أن منافسيّ من الرجال كانوا أكبر سنًّا منّي إلا أنّي اتسمت بخبرة أوسع. وشعر وقتذاك الكثيرون بالغضب لأنني ترشحت للانتخابات إذ اعتبروا أنني أردت أن أحتلّ مكانًا هو من حقّ الرجل. صحيح أن الدستور الأوغندي الموقّت خصّص 14% من المقاعد البرلمانيّة إلى النساء، إلا أني رفضت الاستفادة من هذه الحصّة ما أثار ردّات فعل عدائيّة. إذ على الرغم من أنّ المرأة تمتّعت بحق الترشّح لمقاعد عامّة، كان يتوقع منها أن تتنافس ضدّ نساء أخريات على مقاعد العمل الإيجابي. إلا أنّي أردت زيادة عدد النساء المشاركات في البرلمان من خلال الفوز بمقعدٍ عام، فقد كنت على ثقة بأنّ مهاراتي وإنجازاتي وحلفائي السياسيين ناهيك عن قدرتي على جمع التمويل للحملة سيمكنونني من استكمال المنافسة والفوز ضدّ أي مرشّح آخر. فيوليت أووتوي: لمَ رحلت عن أوغندا في منتصف ولايتك البرلمانيّة الثالثة؟ ويني بيانييما: رحلتُ لأن المساحة السياسية كانت تضيق باستمرار، فيما بات التحلي بموقف حرّ وبنقل هواجس الناخبين عملاً صعبًا للغاية. وفي البرلمان، قدتُ حملةً طويلة وصعبة ضدّ الفساد واستغلال النفوذ على المستويين المحلّي والوطني. وعلى المستوى المحلّي، تواجهت في معارك سياسيّة وقانونيّة عدّة مع قادة حكوميين محلّيين استغلوا مناصبهم للاستيلاء على أراضي الفقراء والضعفاء، لا سيّما الأرامل واليتامى، كما من أجل اختلاس الأموال العامة. إضافة إلى ذلك، رفعت الصوت ضدّ اجتياح أوغندا لجمهورية كونغو الديمقراطيّة وضدّ نهب ثرواتها وما ارتكب جنودنا من خروق لحقوق الإنسان في ذلك البلد. لذا فقدتُ تدريجيًّا الإيمان بالتزام حركة المقاومة الوطنيّة تجاه الفقراء. وباتت انتقاداتي لا تُحتمل بالنسبة إلى البعض فمنذ العام 2001، أُدخلت السجن مرارًا وتكرارًا، إذ نسبت الحكومة إليّ تهمًا واهية عدّة وأصبحت أسيرة إجراءات المحاكم الطويلة. فما عاد بمقدوري أن أؤدّي دوري كبرلمانيّة بفعاليّة ناهيك عن الصدمة التي تلقاها ابني اليافع جراء سجني. لذلك، قرّرت الانسحاب من الحياة السياسيّة لبعض الوقت كي أتفرّغ لتربية ابني في جوّ من الأمان. ثمّ أٌتيحت لي فرصة العمل مع الاتحاد الإفريقي ووافقت على شغل منصب "مديرة الشؤون الإنمائيّة والجنسانيّة في مفوّضيّة الاتحاد الإفريقي"، وذلك استكمالاً للتعهد الذي قطعته في إطار تعزيز حقوق المرأة على نطاق أوسع في القارة الإفريقيّة. كما سمحت لي تلك الفرصة بأنّ أتخطّى الانقسامات السياسيّة التي قوّضت أنشطتي في أوغندا. سمحت لي تجربتي في مفوّضية الاتحاد الإفريقي بأن أدرك أهميّة التحلي بنظرة نقديّة في العمل في الميدان العام. فالاتحاد الإفريقي يشبه الكثير من المنظمات الإفريقيّة الأخرى، فهو قائم إلى حدّ كبير على المركزيّة والهرميّة ، وهو يفتقر إلى المؤسسات ويتّسم بالتوجه الذكوري. في الواقع، طبعت ثقافة ذكوريّة شوفينيّة المفوّضية ما سمح ببروز أنماط من السلوك أعتبرُها غير مقبولة. وسرعان ما شعرت بأن البيروقراطيّة تعيق تقدّمي. نعم، كان من السهل أن أقبل بالوضع الراهن، لكني رفضت ذلك، وقررت استحداث شبكات داخليّة وخارجيّة تخوّلني أن أشقّ طريقي عبر البيروقراطيّة القائمة. فتواصلت مع منظمات نسائيّة ومع شبكات فاعلة في إفريقيا والعالم بأسره. وتمكنّا في وقت قصير من أن ننجز مشاريع مشتركة هامّة. فيوليت أووتوي: هلاّ كلمتنا على التقنيات والأدوات التي تعتمدينها في الحملات بهدف الفوز في الانتخابات؟ ويني بيانييما: في خلال حملتي الانتخابيّة، اعتمدت أدوات غير تقليديّة كشفت النقاب عن الثقافة السياسية القديمة والمعايير المتبعة في بلادي فشككت في صوابيتها. وتقرّبت من الفقراء في المجتمعات المحليّة، حتى أني قصدت منازلهم واحدًا تلو الآخر. وفيما قرر بعض السياسيين تجاهل سكان المناطق المحرومة، قصدت أنا النساء في منازلهنّ واستمعت إليهن أينما كنّ. وقد انتقد السياسيّون الآخرون أساليبي بحدّة، إذ اعتبروا أنها تعطيني أفضليّة غير محقّة. أمّا المعارضون فطالبوا بأن أمتنع عن زيارة المنازل. هيمن وقتذاك رجال من الطبقة الوسطى على الساحة السياسيّة، وظنّوا أن القيادة هي حقهم الطبيعي فنظموا الحملات وفقًا لشروطهم الخاصّة. كان الفقراء يلتقون رجال السياسة في أمكنة محدّدة حيث يتجمّع الحشد لسماع الخطاب الانتخابي ومن ثمّ يعودون إلى أحزمة البؤس. إلا أنّي رفضت ذاك الواقع وأصررت على إستراتيجيّة "مدّ اليد" وواصلت زيارتي النساء في مطابخهنّ وحدائقهنّ المتواضعة تحت حرارة الشمس، ورافقتهن وهنّ ينجزن المهام المختلفة فأستمعت إلى كفاحهن تارةً وتبادلنا أطراف الحديث طورًا، ما أثار اهتمام النساء هؤلاء فشعرن بأنهن قادرات على إحداث التغيير من خلال عمليّة التصويت. فيوليت أووتوي: هل أثّر كونك امرأة قائدة وناشطة على أسلوبك القيادي والقرارات التي اعتمدتها؟ ويني بيانييما: أسلوبي مختلف بالطبع، فأنا مناصرة للنسائيّة. وأنا سيّدة نفسي في قراراتي كما في السياسة عمومًا. كما أسعى دومًا إلى تقويض النظام الذكوري وتقديم مفاهيم بديلة للسلطة. وأحرص كامرأة سياسيّة على إظهار احترامي للناخبين. ومن وجهة نظر النسائيّة، لطالما ثمّنت عمل النساء الفقيرات ومساهماتهنّ. وقد استخدمت أساليب خاصة في الحملات جرّدت الرجل من سلطته التقليديّة فأثبتّ للناخبين أني قادرة على الفوز. كما جهدتُ لأظهر أن السلطة ملك للشعب وأثرت قضايا المرأة من منبر الحملات كما عندما انتخبت عضوًا في البرلمان. وحين شعرت أن الرسالة التي أحملها شكّلت تهديدًا بالنسبة إلى الرجال، كرّست ما يكفي من الوقت لأشرح كيف يؤثّر تعزيز حقوق المرأة إيجابيًّا على العائلة والمجتمعات بأكملها معلّلةً شرحي بأمثلة محليّة. على هذا النحو، بتّ قريبة من الناس وأكدت لهم أني قوية وقادرة على الفوز وإحداث التغيير بهدف تحسين ظروف عيش النساء والرجال والأطفال، ولم أساوم يومًا على حقوق المرأة. فيوليت أووتوي: إلام يعزى نجاحك في الحياة السياسيّة؟ ويني بيانييما: لا أعتبر أنتي حققت النجاح المنشود فالطريق لا يزال طويلاً. فما أحلم به لبلادي وإفريقيا وفقرائها ونسائها العصاميات يتخطّى بكثير كل ما أمكن تحقيقه حتّى الآن. فحتى اليوم، لا يزال ملايين النساء والفتيات والرجال والفتية في أوغندا محتجزين في المخيّمات، ضحايا حرب واهية المعنى دامت أكثر من عشرين سنة وما أمكن تفاديها. ولا تزال النساء مضطرات إلى المشي عشرات الأميال لمجرد التزوّد بالماء والحطب من أجل طهو الطعام. كما كثيرات هنّ اللواتي يمتن خلال الإنجاب أو بسبب الملاريا أو فيروس نقص المناعة البشريّة أو غيرها من الأمراض التي يمكن تفاديها. فيما يستولي القادة الجشعون على ما يصل من موارد ضئيلة جدًّا في إطار المساعدات الإنمائيّة. والطريق يبقى طويلاً قبل أن نتمكّن من إنهاء الحروب ومكافحة الفقر وتحسين الحوكمة وتحرير قدرات المرأة والرجل الإفريقيّين كي يستمتعوا بجوانب الحياة كافّة. ولطالما ركّزت على تحقيق العدالة لصالح الفقراء والمهمّشين ولربّما هو النجاح الوحيد الذي أنسبه لنفسي، فلم أملّ يومًا ولم أنحرف عن مسار القضايا التي آمنت بها طوال حياتي. فيوليت أووتوي: هل شكّلت النساء أكثريّة قاعدتك الشعبيّة؟ ويني بيانييما: خضت ثلاث انتخابات في أوغندا وفي الانتخابات الأولى حصلت على أكثر من 80% من أصوات النساء، ما فاجأني كثيرًا صراحة، فلم أكن أحمل مواصفات المرشّح التقليدي. كنت امرأة عزباء أسكن مع رجل، لكن على الرغم من ذلك، حصلت على دعمٍ كبير من النساء. وتمكنت من الحفاظ على دعم النساء في الانتخابات الثانية. لكن لسوء الحظّ، خسرت في الانتخابات الثالثة قدرًا كبيرًا من هذا الدعم إلاّ أنّي حشدت في المقابل دعمًا أوسع في صفوف الشباب والرجال. في الواقع، نتجت الخسارة من قرار اتخذه فريق منّا وهو الابتعاد عن الرئيس، فإذ اعتبرنا أنه انحرف عن أجندتنا الأساسيّة وراح يعمل على تعزيز سلطته الخاصّة. فما كان من الرئيس إلاّ أن اعتبر قرارنا استهدافًا لشخصه، فوجّه حملته ضدّي شخصيًّا كي يحول دون فوزي في الانتخابات. واختار بنفسه مرشّحًا ليكون منافسي وحتى أنه أرسل جنودًا إلى بلدتي كي يتدخلوا في حملتي الانتخابيّة. فكانت انتخابات عنيفة للغاية حيث سادت الرشاوى ووُظّفت موارد الدولة ضدّي. ولسوء حظّي، تمكّن الرئيس من أن ينسب لنفسه كل ما حققناه في حركة المقاومة الوطنيّة كونه رئيس تلك الحركة. ولم يتمكّن الأوغنديّون من التمييز بين شخص القائد والحركة بحدّ ذاتها. ولا يفرّق معظم الأوغنديين حتى بين مختلف الوظائف والسلطات الرسميّة وينسبون جميع سلطات الدولة إلى الرئيس. وفي خلال الحملات الانتخابيّة، سوّق الرئيس لنفسه على أنّه صاحب الفضل في التغيرات الإيجابيّة الحاصلة. وكان من الصعب علينا أن نبرهن أنّه لم يضطّلع إلاّ بدور هامشي في هذا السياق. ونتيجة لذلك، خسرت من أصوات النساء اللواتي لم يفهمن لمَ قررت أن أعارض الرئيس الذي ظنّت أولئك النساء أنه يدعمهن. ومهما حاولت أن أفسّر حقيقة الوضع، كثيرات من النساء لم يفهمن أن الساحة السياسيّة المغلقة لا تفسح المجال لاحترام أجندة حقوق المرأة وأنّ كلّ ما تحقّق كان مهدّدًا لأن عمليّة إرساء الديمقراطيّة في أوغندا قد وصلت إلى حائط مسدود. واليوم بعد مرور عدّة سنوات، تيقّن الناس حقيقة ما حدث بالفعل وكم أن البلاد قد انحرفت عن المسار الديمقراطي. فعلى سبيل المثال، شُطب بند الدستور الذي يمنع الرئيس من الحصول على أكثر من ولايتين، كي يتمكّن الرئيس من الترشّح إلى ولاية ثالثة، علمًا أنّه كان أصلاً في الحكم لأكثر من عشرين سنة. فيوليت أووتوي: ما نصيحتك إلى النساء الأخريات من قائدات ومرشّحات يحاولن تحقيق النجاح في مسيراتهنّ السياسيّة؟ ويني بيانييما: ليس امتهان السياسة مجرّد مهنة بل هو أيضًا دعوة. ويجدر بالسياسيّ أن يؤمن أشدّ الإيمان بقضيّة ما. إذًا لا بدّ من الإيمان بقضيّة ومن العمل باجتهاد خدمةً لها. وإن كانت القائدة السياسيّة على غراري، تريد أن تكرّس عملها لنصرة المساواة وحقوق المرأة (علمًا أن هذا ليس حال النساء جميعًا وعلينا أن نتقبل هذا الواقع)، فيجدر بها أن تعمل على مناصرة هذه القضيّة في إطار جدول أعمال أوسع خاص بالعدالة بهدف إبرام التحالفات الفائزة. وتواجه المرشّحات صعوبات جمّة في تعبئة الموارد إذ عمليّة جمع التمويل صعبة بالنسبة إلى المرشحين السياسيين عمومًا وهي صعبة أكثر بالنسبة إلى المرشحات. لذا أنصحهنّ باعتماد أجندة سياسيّة واضحة جدًّا ومتجانسة المواضيع، فذلك يسهّل عملية جمع التمويل. إذ عمومًا، تحصل المرشّحة على التمويل لسببين، أولاً نظرًا للقضايا التي تثيرها، وثانيًا نسبةً إلى قدرتها على معالجة هذه القضايا من خلال العمليّة السياسيّة. كما من المهمّ التحلّي بأسلوب منظّم لجمع التمويل والابتعاد عن إدارة التبرعات شخصيًّا. فأنا مثلاً لطالما عيّنت من يدير الأموال ويجمع التبرعات التي حصلت عليها في خلال الحملات الانتخابية. هكذا عرف الناس أني لم أستخدم تلك الأموال لمنفعتي الشخصيّة. والأهمّ هو أن تنشط المرأة كثيرًا في خلال الانتخابات لكي تكافح الفساد والرشاوى. فمن المفترض بالمرشحة أن تكون حاملة راية إصلاح القوانين الانتخابيّة لفرض القيود على الأموال المستثمرة في الانتخابات، فالمال الانتخابي عائق أكبر بالنسبة إلى المرشحات مقارنة مع المرشّحين الرجال. علمًا أنّ تمويل الحملات يشكّل عائقًا كبيرًا بالنسبة إلى الشباب أيضًا. فيوليت أووتوي: ذكرتِ للتوّ أنك لطالما كنت ناشطة سياسيّة فشكّكت في الأطر المؤسسيّة أينما عملت. ما هي تداعيات مقاربة كهذه على عملك في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟ ويني بيانييما: غالبًا ما أُسأل عن طبيعة العمل في إطار بيروقراطي كما هو الحال في الأمم المتحدة. لكني أحرص دومًا على التذكير بطبيعة المنظمة التي أعمل فيها، فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتسم بقدر كبير من اللامركزيّة إذ ما أن تصدر القرارات الكبرى كتلك المتعلّقة بالميزانيّة والأنشطة الإستراتيجيّة، حتى تصبح المكاتب المحليّة والوحدات المختلفة، كالتي أعمل فيها، قادرةً على اتخاذ معظم القرارات بهدف إحراز التقدّم المنشود. كما أملك في البرنامج المذكور مساحة للابتكار وهذا عامل هام في عملي. يشبه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عائلة كبيرة مؤلفة من أفراد يتشاطرون القيم ذاتها ويؤمنون بمفهوم التنمية البشريّة. إلا أنّ موظّفي البرنامج لا يفهمون دومًا طبيعة الاختلافات بين المرأة والرجل. ومن واجبي أن أوضّح لهم ذلك. ففي العمل على إصلاح الخدمات العامّة أو على الأطر السياسيّة الاقتصاديّة الكليّة أو على تعميم التوعية بشأن القضايا البيئيّة في إطار الخطط الإنمائيّة، لا بدّ من أخذ وضع المرأة والرجل بالحسبان. ولا يمكن اعتبار أن وضع المرأة والرجل متطابق تمامًا إذ غالبًا ما يختلف دورهما في الاقتصاد كما في المجتمع. ولكلّ منهما مستوى من التحكم وقدرة على الحصول على الموارد والأصول كما لكلّ منهما حاجاته ومصالحه الخاصّة. ويمكن للسياسة الواحدة أن تحدث وقعًا مختلفًا على الرجل والمرأة، وعلى الفتية والفتيات. ويثير أحيانًا هذا الواقع معارضة موظّفي البرنامج، فهم محترفون ويتمتعون بخبرة في اختصاصات معيّنة كما أنهم يطبقون مقارباتهم الشخصيّة بعد أن تمكنوا من صقل مهاراتهم. فأن نطلب منهم أن يفكّروا في تأثير عملهم على العوامل الجنسانيّة يعني أن نطلب منهم التشكيك في أسس تدريبهم ومهاراتهم. وقد يُعتبر ذلك تهديدًا. بالتالي، أحاول أن أكسر الحواجز المهنيّة وأن أساعدهم ليدركوا أن المرأة والرجل قادران على الاستفادة من عملهما بشكل متساوٍ. نعم، هي مهمّة معقّدة وصعبة. لذا يجدر تحديث هذه المؤسّسة الإنمائيّة من وجهة نظر النسائيّة. فيوليت أووتوي: كيف تقيمين التحالفات في عملك في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟ ويني بيانييما: ألجأ إلى الإستراتيجيّات عينها التي اعتمدتها في الاتحاد الإفريقي. إذ أتواصل مع الشبكات النسائيّة التي تعرفت إليها على مرّ السنوات وأحاول أن أتعاون معها بشكل وثيق. كما أدرس القواعد والإجراءات المطبّقة كي أقترح لاحقًا التغييرات المناسبة. فيبدو أن قواعد كثيرة معتمدة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي صُمّمت حين كانت المنظّمة تعمل بشكل خاص مع الحكومات. أما الآن وقد شرّعت المنظمة أبوابها أمام المجتمع المدني والقطاع الخاصّ لا بدّ من تعديل القواعد للتحلّي بليونة أكبر في التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكوميّة. فيوليت أووتوي: ما هي الإستراتيجيّات التي اعتمدتها لتقديم التوجيه والرعاية إلى الجيل الجديد من القائدات؟ ويني بيانييما: إن تبادل المعارف والمهارات هام للغاية. لقد أسسّت مع تسع من زميلاتي، "منتدى المرأة في الديمقراطيّة" (FOWODE) في العام 1994. وقد صممنا في إطار المنتدى مشروعًا خاصًّا لدعم المرأة الراغبة في أن تصبح مرشّحة وقائدة سياسيّة. لكننا لم نسلك المسار التدريبي المعهود. فلم نرد أن نستورد أفكارًا غربيّة وقصصًا ناجحة فنزرعها في ثقافة مختلفة تمام الاختلاف. أستطيع القول بصراحة إننا آمنّا بشدّة في إحداث تحوّل مراعٍ للنسائيّة في الممارسة السياسيّة في أوغندا. واقتضى ذلك اعتماد مقاربات نقديّة للمرشّحات مع مراعاة ثقافتنا السياسيّة بصورة مباشرة جدًّا. في إطار أنشطة المشروع، تعاونّا مع قائدات أوغنديّات خبيرات ترشّحن سابقًا للانتخابات مرّات عدّة واعتنقن مثلنا فكر التغيير، فطلبنا منهنّ أن يوجّهن النساء الراغبات في الترشّح. فساعدنا النساء هؤلاء في التركيز على دافعهنّ للترشّح وعلى هدفهنّ المنشود، وقدّمنا المشورة عند الطلب. هكذا تمكنّا من تلبية الحاجات الخاصّة بكلّ منهن. أمّا النساء اللواتي أمنّ الرعاية فتدرّبن على سبل تقديم المشورة وازددن وعيًا بشأن قضايا النسائيّة. في المقابل، تلقّت النساء الساعيات إلى الحصول على المشورة، المساعدة الضروريّة في ميادين عدّة بما فيها إعداد الأجندة السياسيّة وكيفيّة التعامل مع وسائل الإعلام وتطوير الحملة الانتخابيّة وإستراتيجيّات التمويل... أذكر من المبادرات الهامّة الأخرى، المشروع التعليمي ما بين الأجيال الذي جمع بين ناشطات سياسيّات ونساء سياسيّات من أربعة أجيال (وُلدن جميعًا بين الأربعينات والتسعينات من القرن الماضي) لتبادل المعلومات والخبرات حول القضايا التي عالجنها. هكذا جرى تبادل المعلومات بين الشابات والكبيرات في السنّ وجرى سرد تاريخيّ لتأثيرهن على التطورات التي شهدتها أوغندا منذ عهد الاستعمار. ونتيجةً للمحادثات، أعددنا كتابًا وفيلمًا وثائقيًّا ونظّمنا معرضًا للصور وأخرجنا مسرحيّة سلّطت الضوء على مساهمات الناشطات السياسيّات في الحياة العامّة على مرّ خمسين سنة. كما أظهرت المسرحيّة كيف اعتمدت الحركة النسائيّة في أوغندا قضايا مختلفة في فترات مختلفة وكيف صمدت على الرغم من القمع السياسي والحروب الأهليّة وكيف سلمّت الكبيرات في السنّ شعلة النضال إلى الشابات. من خلال هذه التجربة، فهمت الشابات أن الرجل لم يبنِ لوحده تاريخ أوغندا وأن المرأة أسهمت مساهمةً فاعلة في ذلك. والآن، استحدثنا مدرسة صيفيّة حيث نستقبل الفتيات في مخيّم صيفي كي يستكشفن القيادة بمختلف أشكالها البديلة والتحويليّة. فيوليت أووتوي: إنّ شبكة iKNOW Politicsهي منصّة عالميّة تهدف إلى دعم المرأة في الحياة السياسيّة. كيف يمكن برأيك أن تكون هذه الشبكة مرجعًا بالنسبة إلى جميع نساء العالم؟ ويني بيانييما: عندما عرفت كم هو عدد النساء والرجال الذين يزورون موقع الشبكة الإلكتروني من جميع أرجاء العالم، أقول بصدق إني تلقيت مفاجأة إيجابيّة. صحيح أنني توقعت أن تستخدم النساء شبكة الإنترنت بحثًا عن فرص عمل لكنّي تساءلت إن كنّ سيحوّلن الإنترنت إلى أداة للتواصل في الشؤون السياسة. لكن لا بدّ من الاعتراف بأنّ التكنولوجيا تحمل ثقافة خاصّة بها وبأن الولوج إلى التكنولوجيا متفاوت بين دولة وأخرى. لذا من المهمّ احترام ثقافات الفقراء وتفادي الهيمنة الثقافيّة. فيوليت أووتوي: لو ترشّحت امرأة للانتخابات الرئاسيّة في أوغندا، ما هي فرص نجاحها برأيك وأي عوائق ستعترض طريقها؟ ويني بيانييما: ما من سبب يمنع فوز المرأة في انتخاباتٍ عادلة وحرّة. وإن قررتُ أن أترشّح شخصيًّا للانتخابات الرئاسيّة أعتقد أنني قد أفوز، لكن المشكلة هي أن الانتخابات في أوغندا غير عادلة وتخضع لحكم المال والجيش. ومع ذلك، يمكن تخطّي العائق المالي. لكنّ الرئيس الحالي اعتاد استمالة الجيش في خلال الانتخابات ما يشكّل مشكلة عصيبة بالنسبة إلى أي مرشّح، أكان رجلاً أم امرأة. لهذا السبب، أنا عضو تأسيسي في الحزب الذي يحاول نزع هيمنة الجيش على الحياة السياسيّة في أوغندا كي تعود البلاد إلى المسار الديمقراطي الصحيح. ويني بيانييما: شكرًا جزيلاً لأنّك قبلت بمشاطرتنا آراءك وقصصك الخاصّة لاسيّما بشأن مسيرتك في الحياة السياسيّة وسعيك إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة. نحن على ثقة بأن المقابلة هذه ستلهم أعضاء شبكة iKNOW Politicsفي جميع أنحاء العالم وستزودهم بالمعلومات القيّمة.
<السيّدة "ويني بيانييما" هي مديرة فريق الجنسانيّة التابع لبرنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، مكتب السياسة الإنمائيّة، وقد انتُخبت لثلاث ولايات في البرلمان في أوغندا كما أسّست تجمّع النساء في البرلمان. وقبل الالتحاق ببرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أدارت السيّدة "بيانيما" مديريّة المرأة والمسائل الجنسانيّة والتنمية في مفوضيّة الإتحاد الإفريقيّ. كانت أيضًا من الأعضاء المؤسّسين في "منتدى المرأة في الديمقراطيّة" (FOWODE) والرئيسة الأولى لهذه المنظّمة الوطنيّة غير الحكومية. إلى ذلك، شاركت السيّدة "بيانيما" في عدد من أفرقة الخبراء الاستشاريّة كما عملت مستشارة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي وفي صندوق الأمم المتحدة الإنمائي للمرأة ووكالات أمميّة أخرى. هي أيضًا عضو في الهيئة التنفيذيّة في" مؤسّسة بناء القدرات الإفريقيّة"(African Capacity Building Foundation) وفي "المركز الدولي للأبحاث حول المرأة" (International Centre for Research on Women). ومؤخرًا، كانت عضوًا في فريق أهداف الألفيّة للتنمية الخاص بالتعليم والمساواة بين الجنسين. قدّمت السيّدة "بيانيما" منشورات عدّة بشأن موضوعيّ الجنسانيّة والحوكمة، ونذكر من هذه المنشورات كتيّبًا مشتركًا بالتعاون مع الاتحاد البرلماني الدولي تحت عنوان "البرلمانات وعمليَة إعداد الميزانيّة والجنسانيّة"( Parliaments, the Budget Process and Gender) إضافة إلى كتيب يضم سير حياة عدد من النساء الأوغنديات الرائدات في السياسة، تحت عنوان "موجات المدّ العالي" (A Rising Tide). حازت السيّدة "بيانيما" شهادتي بكالوريوس وماجستير في الهندسة الميكانيكيّة وهندسة الملاحة الجويّة من جامعة "مانشيستر" البريطانيّة.
المتن:
فيوليت أووتوي: حضرة السيّدة "بيانيما"، هلاّ أخبرت قراءنا عن مسيرتك المهنيّة قليلاً؟ ما الخبرة التي تحلّيت بها قبل أن تصبحي عضوًا في البرلمان، ممثّلةً بلديّة "مبارارا" (في غرب أوغندا)؟ ما هي الحوافز التي دفعتك إلى امتهان السياسة؟ ويني بيانييما: لقد دخلتُ المجال السياسي قبل الترشّح إلى الانتخابات البرلمانيّة في أوغندا بفترةٍ طويلة. فعائلتي عريقة في الحياة السياسيّة في أوغندا وقد سلكت المسار عينه منذ الصبا. وفي خلال حكم "إيدي أمين" الديكتاتوري، باتت الأوضاع في بلادي لا تُحتمل لذا قررت الرحيل وأصبحت لاجئةً، ثمّ انضممت إلى منظمات سياسيّة طلابيّة عدّة في المنفى. ولطالما كنت أشعر بالشغف تجاه المجال القضائي، هذا ما دفعني إلى الرحيل وحوّلني إلى ناشطة في مجالي حقوق المرأة وحقوق الإنسان وهذا أيضًا ما ينير طريقي في مسيرتي المهنيّة حتّى اليوم. وما أن حزت شهادتي الجامعيّة في الهندسة حتّى راودتني فكرة حيازة دكتوراه في ميكانيك السوائل. لكن سرعان ما اندلعت الحرب الأهلية في بلدي فقررتُ أن أعود إلى الوطن لأشارك في المقاومة ضد الدكتاتورية. حصلت على وظيفة في شركة طيران وكنت أقدم دعمي بالسرّ إلى حركة المقاومة المتنامية، وانضويت تحت لواء حركة المقاومة الوطنية. من البديهي أن عائلتي وأصدقائي شعروا بالقلق حيال وضعي وأرادوا أن يتأكّدوا من أني بأمان لكن عرف أعضاء عائلتي أنهم لن يتمكنوا من ردعي فحاولوا أن يمدوا لي يد العون كما تيسّر لهم ذلك. فيوليت أووتوي: ما هي بعض التحديات التي واجهتها في المنفى؟ ويني بيانييما: التحدي الأكبر هو أنني لم أملك ما يكفي من المال. ومع أني حصلت على منحة دراسيّة، إلاّ أني اضطررت لتقاسمها مع شقيقتي كي نتمكن من مباشرة الدراسة الجامعيّة. كما خشيت أن يطول عهد نظام "إيدي أمين" الديكتاتوري. لازمتني فكرة واحدة على الدوام، هو بالأحرى خوف من أن يتوفى والداي قبل أن تُسنح لي فرصة العودة إلى دياري. ما خلا ذلك عشت حياة اعتياديّة ومثيرة. فقد تعرفت إلى الكثير من الإفريقيين المثيرين للاهتمام الذين كانوا يناضلون ويقاتلون بهدف تحقيق الاستقلال والعدالة في بلدانهم. كما تمكنّا، كطلاب إفريقيين من الشباب، أن نقف في وجه نظام الفصل العنصري وأن نحارب من أجل الاستقلال في ناميبيا وزيمبابوي، وتعاونّا مع طلاب بريطانيين وآخرين من مناطق أخرى في إطار قضايا هامّة عدّة في ذلك الحين. وعلى الرغم من أني كنت بعيدة عن دياري وأهلي إلا أنني لم أتحسر يومًا على حالي بل شعرت بأنني محظوظة لأنّي كنت على قيد الحياة أنجز عملاً هامًّا. فيوليت أووتوي: أيمكنكِ أن تكلمينا قليلاً على الانتقال الذي عرفته من المنفى عودةً إلى أوغندا. كم من الوقت أمضيت في المنفى؟ ويني بيانييما: لم تعترضني أي مشاكل عندما عدت إلى أوغندا وأردت الحصول على وظيفة. كنت قد عملت مع آخرين على مناهضة الأنظمة الديكتاتوريّة. وحين عدتُ بعد انتهاء الحرب الأهليّة عام 1986، كنت عضوًا في حركة المقاومة الوطنيّة. بعد أن كنت نائب ممثل أوغندا الدائم لدى اليونسكو على مدى 5 سنوات، قررت أن أعود إلى الوطن لأترشح للانتخابات النيابية. كنت قد رأيت نساءً يعشن في مناطق تشهد حروبًا ويكافحن الفقر من قبل، إلا أنني عرفت واقع النساء الفقيرات في بلدي عن كثب خلال الانتخابات. ولم أكن في بداية مسيرتي المهنيّة أشبه الصورة التقليديّة للناشطات السياسيّات المبتدئات، فقد تمتعت بالمهارات السياسيّة وبسنوات طويلة من الخبرة في هذا المجال. وعلى الرغم من أن منافسيّ من الرجال كانوا أكبر سنًّا منّي إلا أنّي اتسمت بخبرة أوسع. وشعر وقتذاك الكثيرون بالغضب لأنني ترشحت للانتخابات إذ اعتبروا أنني أردت أن أحتلّ مكانًا هو من حقّ الرجل. صحيح أن الدستور الأوغندي الموقّت خصّص 14% من المقاعد البرلمانيّة إلى النساء، إلا أني رفضت الاستفادة من هذه الحصّة ما أثار ردّات فعل عدائيّة. إذ على الرغم من أنّ المرأة تمتّعت بحق الترشّح لمقاعد عامّة، كان يتوقع منها أن تتنافس ضدّ نساء أخريات على مقاعد العمل الإيجابي. إلا أنّي أردت زيادة عدد النساء المشاركات في البرلمان من خلال الفوز بمقعدٍ عام، فقد كنت على ثقة بأنّ مهاراتي وإنجازاتي وحلفائي السياسيين ناهيك عن قدرتي على جمع التمويل للحملة سيمكنونني من استكمال المنافسة والفوز ضدّ أي مرشّح آخر. فيوليت أووتوي: لمَ رحلت عن أوغندا في منتصف ولايتك البرلمانيّة الثالثة؟ ويني بيانييما: رحلتُ لأن المساحة السياسية كانت تضيق باستمرار، فيما بات التحلي بموقف حرّ وبنقل هواجس الناخبين عملاً صعبًا للغاية. وفي البرلمان، قدتُ حملةً طويلة وصعبة ضدّ الفساد واستغلال النفوذ على المستويين المحلّي والوطني. وعلى المستوى المحلّي، تواجهت في معارك سياسيّة وقانونيّة عدّة مع قادة حكوميين محلّيين استغلوا مناصبهم للاستيلاء على أراضي الفقراء والضعفاء، لا سيّما الأرامل واليتامى، كما من أجل اختلاس الأموال العامة. إضافة إلى ذلك، رفعت الصوت ضدّ اجتياح أوغندا لجمهورية كونغو الديمقراطيّة وضدّ نهب ثرواتها وما ارتكب جنودنا من خروق لحقوق الإنسان في ذلك البلد. لذا فقدتُ تدريجيًّا الإيمان بالتزام حركة المقاومة الوطنيّة تجاه الفقراء. وباتت انتقاداتي لا تُحتمل بالنسبة إلى البعض فمنذ العام 2001، أُدخلت السجن مرارًا وتكرارًا، إذ نسبت الحكومة إليّ تهمًا واهية عدّة وأصبحت أسيرة إجراءات المحاكم الطويلة. فما عاد بمقدوري أن أؤدّي دوري كبرلمانيّة بفعاليّة ناهيك عن الصدمة التي تلقاها ابني اليافع جراء سجني. لذلك، قرّرت الانسحاب من الحياة السياسيّة لبعض الوقت كي أتفرّغ لتربية ابني في جوّ من الأمان. ثمّ أٌتيحت لي فرصة العمل مع الاتحاد الإفريقي ووافقت على شغل منصب "مديرة الشؤون الإنمائيّة والجنسانيّة في مفوّضيّة الاتحاد الإفريقي"، وذلك استكمالاً للتعهد الذي قطعته في إطار تعزيز حقوق المرأة على نطاق أوسع في القارة الإفريقيّة. كما سمحت لي تلك الفرصة بأنّ أتخطّى الانقسامات السياسيّة التي قوّضت أنشطتي في أوغندا. سمحت لي تجربتي في مفوّضية الاتحاد الإفريقي بأن أدرك أهميّة التحلي بنظرة نقديّة في العمل في الميدان العام. فالاتحاد الإفريقي يشبه الكثير من المنظمات الإفريقيّة الأخرى، فهو قائم إلى حدّ كبير على المركزيّة والهرميّة ، وهو يفتقر إلى المؤسسات ويتّسم بالتوجه الذكوري. في الواقع، طبعت ثقافة ذكوريّة شوفينيّة المفوّضية ما سمح ببروز أنماط من السلوك أعتبرُها غير مقبولة. وسرعان ما شعرت بأن البيروقراطيّة تعيق تقدّمي. نعم، كان من السهل أن أقبل بالوضع الراهن، لكني رفضت ذلك، وقررت استحداث شبكات داخليّة وخارجيّة تخوّلني أن أشقّ طريقي عبر البيروقراطيّة القائمة. فتواصلت مع منظمات نسائيّة ومع شبكات فاعلة في إفريقيا والعالم بأسره. وتمكنّا في وقت قصير من أن ننجز مشاريع مشتركة هامّة. فيوليت أووتوي: هلاّ كلمتنا على التقنيات والأدوات التي تعتمدينها في الحملات بهدف الفوز في الانتخابات؟ ويني بيانييما: في خلال حملتي الانتخابيّة، اعتمدت أدوات غير تقليديّة كشفت النقاب عن الثقافة السياسية القديمة والمعايير المتبعة في بلادي فشككت في صوابيتها. وتقرّبت من الفقراء في المجتمعات المحليّة، حتى أني قصدت منازلهم واحدًا تلو الآخر. وفيما قرر بعض السياسيين تجاهل سكان المناطق المحرومة، قصدت أنا النساء في منازلهنّ واستمعت إليهن أينما كنّ. وقد انتقد السياسيّون الآخرون أساليبي بحدّة، إذ اعتبروا أنها تعطيني أفضليّة غير محقّة. أمّا المعارضون فطالبوا بأن أمتنع عن زيارة المنازل. هيمن وقتذاك رجال من الطبقة الوسطى على الساحة السياسيّة، وظنّوا أن القيادة هي حقهم الطبيعي فنظموا الحملات وفقًا لشروطهم الخاصّة. كان الفقراء يلتقون رجال السياسة في أمكنة محدّدة حيث يتجمّع الحشد لسماع الخطاب الانتخابي ومن ثمّ يعودون إلى أحزمة البؤس. إلا أنّي رفضت ذاك الواقع وأصررت على إستراتيجيّة "مدّ اليد" وواصلت زيارتي النساء في مطابخهنّ وحدائقهنّ المتواضعة تحت حرارة الشمس، ورافقتهن وهنّ ينجزن المهام المختلفة فأستمعت إلى كفاحهن تارةً وتبادلنا أطراف الحديث طورًا، ما أثار اهتمام النساء هؤلاء فشعرن بأنهن قادرات على إحداث التغيير من خلال عمليّة التصويت. فيوليت أووتوي: هل أثّر كونك امرأة قائدة وناشطة على أسلوبك القيادي والقرارات التي اعتمدتها؟ ويني بيانييما: أسلوبي مختلف بالطبع، فأنا مناصرة للنسائيّة. وأنا سيّدة نفسي في قراراتي كما في السياسة عمومًا. كما أسعى دومًا إلى تقويض النظام الذكوري وتقديم مفاهيم بديلة للسلطة. وأحرص كامرأة سياسيّة على إظهار احترامي للناخبين. ومن وجهة نظر النسائيّة، لطالما ثمّنت عمل النساء الفقيرات ومساهماتهنّ. وقد استخدمت أساليب خاصة في الحملات جرّدت الرجل من سلطته التقليديّة فأثبتّ للناخبين أني قادرة على الفوز. كما جهدتُ لأظهر أن السلطة ملك للشعب وأثرت قضايا المرأة من منبر الحملات كما عندما انتخبت عضوًا في البرلمان. وحين شعرت أن الرسالة التي أحملها شكّلت تهديدًا بالنسبة إلى الرجال، كرّست ما يكفي من الوقت لأشرح كيف يؤثّر تعزيز حقوق المرأة إيجابيًّا على العائلة والمجتمعات بأكملها معلّلةً شرحي بأمثلة محليّة. على هذا النحو، بتّ قريبة من الناس وأكدت لهم أني قوية وقادرة على الفوز وإحداث التغيير بهدف تحسين ظروف عيش النساء والرجال والأطفال، ولم أساوم يومًا على حقوق المرأة. فيوليت أووتوي: إلام يعزى نجاحك في الحياة السياسيّة؟ ويني بيانييما: لا أعتبر أنتي حققت النجاح المنشود فالطريق لا يزال طويلاً. فما أحلم به لبلادي وإفريقيا وفقرائها ونسائها العصاميات يتخطّى بكثير كل ما أمكن تحقيقه حتّى الآن. فحتى اليوم، لا يزال ملايين النساء والفتيات والرجال والفتية في أوغندا محتجزين في المخيّمات، ضحايا حرب واهية المعنى دامت أكثر من عشرين سنة وما أمكن تفاديها. ولا تزال النساء مضطرات إلى المشي عشرات الأميال لمجرد التزوّد بالماء والحطب من أجل طهو الطعام. كما كثيرات هنّ اللواتي يمتن خلال الإنجاب أو بسبب الملاريا أو فيروس نقص المناعة البشريّة أو غيرها من الأمراض التي يمكن تفاديها. فيما يستولي القادة الجشعون على ما يصل من موارد ضئيلة جدًّا في إطار المساعدات الإنمائيّة. والطريق يبقى طويلاً قبل أن نتمكّن من إنهاء الحروب ومكافحة الفقر وتحسين الحوكمة وتحرير قدرات المرأة والرجل الإفريقيّين كي يستمتعوا بجوانب الحياة كافّة. ولطالما ركّزت على تحقيق العدالة لصالح الفقراء والمهمّشين ولربّما هو النجاح الوحيد الذي أنسبه لنفسي، فلم أملّ يومًا ولم أنحرف عن مسار القضايا التي آمنت بها طوال حياتي. فيوليت أووتوي: هل شكّلت النساء أكثريّة قاعدتك الشعبيّة؟ ويني بيانييما: خضت ثلاث انتخابات في أوغندا وفي الانتخابات الأولى حصلت على أكثر من 80% من أصوات النساء، ما فاجأني كثيرًا صراحة، فلم أكن أحمل مواصفات المرشّح التقليدي. كنت امرأة عزباء أسكن مع رجل، لكن على الرغم من ذلك، حصلت على دعمٍ كبير من النساء. وتمكنت من الحفاظ على دعم النساء في الانتخابات الثانية. لكن لسوء الحظّ، خسرت في الانتخابات الثالثة قدرًا كبيرًا من هذا الدعم إلاّ أنّي حشدت في المقابل دعمًا أوسع في صفوف الشباب والرجال. في الواقع، نتجت الخسارة من قرار اتخذه فريق منّا وهو الابتعاد عن الرئيس، فإذ اعتبرنا أنه انحرف عن أجندتنا الأساسيّة وراح يعمل على تعزيز سلطته الخاصّة. فما كان من الرئيس إلاّ أن اعتبر قرارنا استهدافًا لشخصه، فوجّه حملته ضدّي شخصيًّا كي يحول دون فوزي في الانتخابات. واختار بنفسه مرشّحًا ليكون منافسي وحتى أنه أرسل جنودًا إلى بلدتي كي يتدخلوا في حملتي الانتخابيّة. فكانت انتخابات عنيفة للغاية حيث سادت الرشاوى ووُظّفت موارد الدولة ضدّي. ولسوء حظّي، تمكّن الرئيس من أن ينسب لنفسه كل ما حققناه في حركة المقاومة الوطنيّة كونه رئيس تلك الحركة. ولم يتمكّن الأوغنديّون من التمييز بين شخص القائد والحركة بحدّ ذاتها. ولا يفرّق معظم الأوغنديين حتى بين مختلف الوظائف والسلطات الرسميّة وينسبون جميع سلطات الدولة إلى الرئيس. وفي خلال الحملات الانتخابيّة، سوّق الرئيس لنفسه على أنّه صاحب الفضل في التغيرات الإيجابيّة الحاصلة. وكان من الصعب علينا أن نبرهن أنّه لم يضطّلع إلاّ بدور هامشي في هذا السياق. ونتيجة لذلك، خسرت من أصوات النساء اللواتي لم يفهمن لمَ قررت أن أعارض الرئيس الذي ظنّت أولئك النساء أنه يدعمهن. ومهما حاولت أن أفسّر حقيقة الوضع، كثيرات من النساء لم يفهمن أن الساحة السياسيّة المغلقة لا تفسح المجال لاحترام أجندة حقوق المرأة وأنّ كلّ ما تحقّق كان مهدّدًا لأن عمليّة إرساء الديمقراطيّة في أوغندا قد وصلت إلى حائط مسدود. واليوم بعد مرور عدّة سنوات، تيقّن الناس حقيقة ما حدث بالفعل وكم أن البلاد قد انحرفت عن المسار الديمقراطي. فعلى سبيل المثال، شُطب بند الدستور الذي يمنع الرئيس من الحصول على أكثر من ولايتين، كي يتمكّن الرئيس من الترشّح إلى ولاية ثالثة، علمًا أنّه كان أصلاً في الحكم لأكثر من عشرين سنة. فيوليت أووتوي: ما نصيحتك إلى النساء الأخريات من قائدات ومرشّحات يحاولن تحقيق النجاح في مسيراتهنّ السياسيّة؟ ويني بيانييما: ليس امتهان السياسة مجرّد مهنة بل هو أيضًا دعوة. ويجدر بالسياسيّ أن يؤمن أشدّ الإيمان بقضيّة ما. إذًا لا بدّ من الإيمان بقضيّة ومن العمل باجتهاد خدمةً لها. وإن كانت القائدة السياسيّة على غراري، تريد أن تكرّس عملها لنصرة المساواة وحقوق المرأة (علمًا أن هذا ليس حال النساء جميعًا وعلينا أن نتقبل هذا الواقع)، فيجدر بها أن تعمل على مناصرة هذه القضيّة في إطار جدول أعمال أوسع خاص بالعدالة بهدف إبرام التحالفات الفائزة. وتواجه المرشّحات صعوبات جمّة في تعبئة الموارد إذ عمليّة جمع التمويل صعبة بالنسبة إلى المرشحين السياسيين عمومًا وهي صعبة أكثر بالنسبة إلى المرشحات. لذا أنصحهنّ باعتماد أجندة سياسيّة واضحة جدًّا ومتجانسة المواضيع، فذلك يسهّل عملية جمع التمويل. إذ عمومًا، تحصل المرشّحة على التمويل لسببين، أولاً نظرًا للقضايا التي تثيرها، وثانيًا نسبةً إلى قدرتها على معالجة هذه القضايا من خلال العمليّة السياسيّة. كما من المهمّ التحلّي بأسلوب منظّم لجمع التمويل والابتعاد عن إدارة التبرعات شخصيًّا. فأنا مثلاً لطالما عيّنت من يدير الأموال ويجمع التبرعات التي حصلت عليها في خلال الحملات الانتخابية. هكذا عرف الناس أني لم أستخدم تلك الأموال لمنفعتي الشخصيّة. والأهمّ هو أن تنشط المرأة كثيرًا في خلال الانتخابات لكي تكافح الفساد والرشاوى. فمن المفترض بالمرشحة أن تكون حاملة راية إصلاح القوانين الانتخابيّة لفرض القيود على الأموال المستثمرة في الانتخابات، فالمال الانتخابي عائق أكبر بالنسبة إلى المرشحات مقارنة مع المرشّحين الرجال. علمًا أنّ تمويل الحملات يشكّل عائقًا كبيرًا بالنسبة إلى الشباب أيضًا. فيوليت أووتوي: ذكرتِ للتوّ أنك لطالما كنت ناشطة سياسيّة فشكّكت في الأطر المؤسسيّة أينما عملت. ما هي تداعيات مقاربة كهذه على عملك في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟ ويني بيانييما: غالبًا ما أُسأل عن طبيعة العمل في إطار بيروقراطي كما هو الحال في الأمم المتحدة. لكني أحرص دومًا على التذكير بطبيعة المنظمة التي أعمل فيها، فبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي يتسم بقدر كبير من اللامركزيّة إذ ما أن تصدر القرارات الكبرى كتلك المتعلّقة بالميزانيّة والأنشطة الإستراتيجيّة، حتى تصبح المكاتب المحليّة والوحدات المختلفة، كالتي أعمل فيها، قادرةً على اتخاذ معظم القرارات بهدف إحراز التقدّم المنشود. كما أملك في البرنامج المذكور مساحة للابتكار وهذا عامل هام في عملي. يشبه برنامج الأمم المتحدة الإنمائي عائلة كبيرة مؤلفة من أفراد يتشاطرون القيم ذاتها ويؤمنون بمفهوم التنمية البشريّة. إلا أنّ موظّفي البرنامج لا يفهمون دومًا طبيعة الاختلافات بين المرأة والرجل. ومن واجبي أن أوضّح لهم ذلك. ففي العمل على إصلاح الخدمات العامّة أو على الأطر السياسيّة الاقتصاديّة الكليّة أو على تعميم التوعية بشأن القضايا البيئيّة في إطار الخطط الإنمائيّة، لا بدّ من أخذ وضع المرأة والرجل بالحسبان. ولا يمكن اعتبار أن وضع المرأة والرجل متطابق تمامًا إذ غالبًا ما يختلف دورهما في الاقتصاد كما في المجتمع. ولكلّ منهما مستوى من التحكم وقدرة على الحصول على الموارد والأصول كما لكلّ منهما حاجاته ومصالحه الخاصّة. ويمكن للسياسة الواحدة أن تحدث وقعًا مختلفًا على الرجل والمرأة، وعلى الفتية والفتيات. ويثير أحيانًا هذا الواقع معارضة موظّفي البرنامج، فهم محترفون ويتمتعون بخبرة في اختصاصات معيّنة كما أنهم يطبقون مقارباتهم الشخصيّة بعد أن تمكنوا من صقل مهاراتهم. فأن نطلب منهم أن يفكّروا في تأثير عملهم على العوامل الجنسانيّة يعني أن نطلب منهم التشكيك في أسس تدريبهم ومهاراتهم. وقد يُعتبر ذلك تهديدًا. بالتالي، أحاول أن أكسر الحواجز المهنيّة وأن أساعدهم ليدركوا أن المرأة والرجل قادران على الاستفادة من عملهما بشكل متساوٍ. نعم، هي مهمّة معقّدة وصعبة. لذا يجدر تحديث هذه المؤسّسة الإنمائيّة من وجهة نظر النسائيّة. فيوليت أووتوي: كيف تقيمين التحالفات في عملك في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي؟ ويني بيانييما: ألجأ إلى الإستراتيجيّات عينها التي اعتمدتها في الاتحاد الإفريقي. إذ أتواصل مع الشبكات النسائيّة التي تعرفت إليها على مرّ السنوات وأحاول أن أتعاون معها بشكل وثيق. كما أدرس القواعد والإجراءات المطبّقة كي أقترح لاحقًا التغييرات المناسبة. فيبدو أن قواعد كثيرة معتمدة في برنامج الأمم المتحدة الإنمائي صُمّمت حين كانت المنظّمة تعمل بشكل خاص مع الحكومات. أما الآن وقد شرّعت المنظمة أبوابها أمام المجتمع المدني والقطاع الخاصّ لا بدّ من تعديل القواعد للتحلّي بليونة أكبر في التعامل مع الجهات الفاعلة غير الحكوميّة. فيوليت أووتوي: ما هي الإستراتيجيّات التي اعتمدتها لتقديم التوجيه والرعاية إلى الجيل الجديد من القائدات؟ ويني بيانييما: إن تبادل المعارف والمهارات هام للغاية. لقد أسسّت مع تسع من زميلاتي، "منتدى المرأة في الديمقراطيّة" (FOWODE) في العام 1994. وقد صممنا في إطار المنتدى مشروعًا خاصًّا لدعم المرأة الراغبة في أن تصبح مرشّحة وقائدة سياسيّة. لكننا لم نسلك المسار التدريبي المعهود. فلم نرد أن نستورد أفكارًا غربيّة وقصصًا ناجحة فنزرعها في ثقافة مختلفة تمام الاختلاف. أستطيع القول بصراحة إننا آمنّا بشدّة في إحداث تحوّل مراعٍ للنسائيّة في الممارسة السياسيّة في أوغندا. واقتضى ذلك اعتماد مقاربات نقديّة للمرشّحات مع مراعاة ثقافتنا السياسيّة بصورة مباشرة جدًّا. في إطار أنشطة المشروع، تعاونّا مع قائدات أوغنديّات خبيرات ترشّحن سابقًا للانتخابات مرّات عدّة واعتنقن مثلنا فكر التغيير، فطلبنا منهنّ أن يوجّهن النساء الراغبات في الترشّح. فساعدنا النساء هؤلاء في التركيز على دافعهنّ للترشّح وعلى هدفهنّ المنشود، وقدّمنا المشورة عند الطلب. هكذا تمكنّا من تلبية الحاجات الخاصّة بكلّ منهن. أمّا النساء اللواتي أمنّ الرعاية فتدرّبن على سبل تقديم المشورة وازددن وعيًا بشأن قضايا النسائيّة. في المقابل، تلقّت النساء الساعيات إلى الحصول على المشورة، المساعدة الضروريّة في ميادين عدّة بما فيها إعداد الأجندة السياسيّة وكيفيّة التعامل مع وسائل الإعلام وتطوير الحملة الانتخابيّة وإستراتيجيّات التمويل... أذكر من المبادرات الهامّة الأخرى، المشروع التعليمي ما بين الأجيال الذي جمع بين ناشطات سياسيّات ونساء سياسيّات من أربعة أجيال (وُلدن جميعًا بين الأربعينات والتسعينات من القرن الماضي) لتبادل المعلومات والخبرات حول القضايا التي عالجنها. هكذا جرى تبادل المعلومات بين الشابات والكبيرات في السنّ وجرى سرد تاريخيّ لتأثيرهن على التطورات التي شهدتها أوغندا منذ عهد الاستعمار. ونتيجةً للمحادثات، أعددنا كتابًا وفيلمًا وثائقيًّا ونظّمنا معرضًا للصور وأخرجنا مسرحيّة سلّطت الضوء على مساهمات الناشطات السياسيّات في الحياة العامّة على مرّ خمسين سنة. كما أظهرت المسرحيّة كيف اعتمدت الحركة النسائيّة في أوغندا قضايا مختلفة في فترات مختلفة وكيف صمدت على الرغم من القمع السياسي والحروب الأهليّة وكيف سلمّت الكبيرات في السنّ شعلة النضال إلى الشابات. من خلال هذه التجربة، فهمت الشابات أن الرجل لم يبنِ لوحده تاريخ أوغندا وأن المرأة أسهمت مساهمةً فاعلة في ذلك. والآن، استحدثنا مدرسة صيفيّة حيث نستقبل الفتيات في مخيّم صيفي كي يستكشفن القيادة بمختلف أشكالها البديلة والتحويليّة. فيوليت أووتوي: إنّ شبكة iKNOW Politicsهي منصّة عالميّة تهدف إلى دعم المرأة في الحياة السياسيّة. كيف يمكن برأيك أن تكون هذه الشبكة مرجعًا بالنسبة إلى جميع نساء العالم؟ ويني بيانييما: عندما عرفت كم هو عدد النساء والرجال الذين يزورون موقع الشبكة الإلكتروني من جميع أرجاء العالم، أقول بصدق إني تلقيت مفاجأة إيجابيّة. صحيح أنني توقعت أن تستخدم النساء شبكة الإنترنت بحثًا عن فرص عمل لكنّي تساءلت إن كنّ سيحوّلن الإنترنت إلى أداة للتواصل في الشؤون السياسة. لكن لا بدّ من الاعتراف بأنّ التكنولوجيا تحمل ثقافة خاصّة بها وبأن الولوج إلى التكنولوجيا متفاوت بين دولة وأخرى. لذا من المهمّ احترام ثقافات الفقراء وتفادي الهيمنة الثقافيّة. فيوليت أووتوي: لو ترشّحت امرأة للانتخابات الرئاسيّة في أوغندا، ما هي فرص نجاحها برأيك وأي عوائق ستعترض طريقها؟ ويني بيانييما: ما من سبب يمنع فوز المرأة في انتخاباتٍ عادلة وحرّة. وإن قررتُ أن أترشّح شخصيًّا للانتخابات الرئاسيّة أعتقد أنني قد أفوز، لكن المشكلة هي أن الانتخابات في أوغندا غير عادلة وتخضع لحكم المال والجيش. ومع ذلك، يمكن تخطّي العائق المالي. لكنّ الرئيس الحالي اعتاد استمالة الجيش في خلال الانتخابات ما يشكّل مشكلة عصيبة بالنسبة إلى أي مرشّح، أكان رجلاً أم امرأة. لهذا السبب، أنا عضو تأسيسي في الحزب الذي يحاول نزع هيمنة الجيش على الحياة السياسيّة في أوغندا كي تعود البلاد إلى المسار الديمقراطي الصحيح. ويني بيانييما: شكرًا جزيلاً لأنّك قبلت بمشاطرتنا آراءك وقصصك الخاصّة لاسيّما بشأن مسيرتك في الحياة السياسيّة وسعيك إلى تحقيق العدالة الاجتماعيّة. نحن على ثقة بأن المقابلة هذه ستلهم أعضاء شبكة iKNOW Politicsفي جميع أنحاء العالم وستزودهم بالمعلومات القيّمة.